|
|
#1
| ||||||||
| ||||||||
هدى والعاصفة ---الجزء الأول---- إنها الثامنة صباحا، لم يعد يفصل أيوب على مكتبه إلا بضعة أمتار، لحظتها تعترض سبيله فتاة في مقتبل العمر، لم يعتد على رؤيتها من قبل، فتبادره مستفسرة. _ صباح الخير...أهذا مكتب تسجيل الطلبة المتدربين؟ يحملق فيها الرجل بشيء من التعجب، متفحصا وجهها الملائكي المبتسم ذو العينين الكبيرتين السوداويتين. ربعة القد، دقيقة الخصر، ساحرة حقا و فاتنة مثيرة، تذكره بأمل...أمل خطيبته وبينما هو على حاله، يسترجع لذكريات أليمة لسنين خلت تعاود الفتاة سؤالها. _سيدي أين مكاتب الادارة؟ حينها يستفيق من غفوته و يرد عليها في ذهول : آه...أسعدت صباحا...الإدارة...الإدارة لم تفتح أبوابها بعد، لكن مصلحتنا في الخدمة، آنسة...؟ - هدى. هدى غفران من هيئة الطيران، متدربة سنة أولى. - تشرفنا...أيوب، أيوب صبري. سنين مهارة بمصلحة الإشارة. يتجاذبان الحديث، فتطلعه بأنها من مدينة مجاورة، من سعيدة بعثت بها الهيئة للتدرج في ميدان تخصصها،وقد شجعتها شخصيته المتفتحة، تستأذن منه لمهاتفة ذويها من مكتبه. وبعد أن أعلنت عن وصولها تأخذ مجلسها بمكتبه و ما هي آلا دقائق و تفتح الإدارة أبوابها و قد يكونا قد تعرفا على بعضاهما البعض. فرح أيوب بصداقتها التي توطدت من أول لقاء، أنسته متاعب السنين آلتي مضت و أرجعت له البسمة المفقودة و تمنى أن تكون بداية لعهد جديد. تبتسم هدى له، تشكره على الخدمة التي قدمها لها و تبلغه بأنه كان لطيفا معها و تستأذن بالانصراف. يجلس أيوب على الكرسي تائها، حالما غير مباليا بما يدور حوله. مذا أصابه؟ كانت هدى في تصوره توأما لأمل و يتساءل كيف استطاعت بمرورها الخاطف أن تفعل به ما تفعله العواصف أثناء لاجتياح. ها هي العاصفة تعصف بكيانه فيحس بشيء غريب ينتابه و ينبعث لهيبه من أحشائه، لم يحس بهذا الإحساس منذ عشر سنوات، لقد ملأ حياته بالعمل و النوم لا غير. و ها هو اليوم يفكر بشيء أخر، قلبا لا ينازعه فيه أحد، مثل مكتبه هذا، قلبا يغمره بالدفء و يملأ حياته بالأمل و الإخلاص ، ويمرر شريط حياته خلال السنوات العشر، وبسرعة فائقة إذ ليس فيها شيء يذكر اللهم إلا الأيام التي قضاها بمستشفى سيدي الشحمي للمجاذيب نتيجة الصدمةالتي تعرض لها من جراء حزنه العميق على أمل و هي توارى التراب. ومرت بعد ذالك سنين كان لا بد لها أن تمر.. وحدثت خلالها أحداث كان لا بد لها أن تحدث دون أن يحس بطعم الحياة إلي أن جاءت هدى و معها العاصفة، وما أن مر يوم حتى يزيد تعلقه بها، وكلما صادفها تحييه و تبتسم. تبتسم له كرجل و يتعلق بها كوطن ، يريد أن يتأكد من أنها امرأة تقاسمه الحلم لكي يفصح لها عن أشياء ضل يحتفظ بها لنفسه، يريد أن يرتمي في أحضانها لكن يرتبك ، يخونه لسانه و تغيب عنه الكلمات، من أين سيبدأ؟ مذا سيقول؟ كيف سيحدثها عن عواطفه؟ كيف يتمكن من مجاملتها و توطيد العلاقة أكثر بينهما؟ لكنه يكتفي بمساءلتها عن أحوالها وعن أشياء هامشية. يحدثها عن ا لشتاء و لياليه المظلمة و عن كل شيء إلا عن عواطفها نحوه. و تمضى كالعاصفة مخلفة ما تخلفه أي عاصفة أثناء الاجتياح و يصبح كالقشة بقلب الدوامة ، يتكرر المشهد مرات على مدى أشهر دون أن يبوح لها عن مكنونات صدره خوفا من فقدان صداقتها و يتسأل : _ ماذا لو عرفت؟ و مع مرور الأيام نفذ صبره ولم يعد يحتمل أكثر مما هو فيه يهتدي لمصارحتها كتابيا لعله يتجاوز عقبة ضلت تحجب عنه اليقين. ها هو اليوم ينتظرها كالمعتاد عند مدخل الرواق بكل عزم و ما هي إلا لحظات حتى تلوح في الأفق علامات هبوب العاصفة، فتوقد الحريقة في دمه و تبعث القشعريرة اللذيذة في جسده لكنه يصر على الصمود لكي يسلمها ظرف استسلامه لها. تبتسم له كالمعتاد وتسأله. - ما بك يا أيوب؟ - لا شيء انه خطاب لك بمناسبة عيد رأس السنة؟ تستلم منه الظرف وهي في منتهى السعادة. _ لكن لم تحل بعد السنة الجديدة. _ أود ان لا يسبقني أحد. احمر وجهها من الخجل وأيقنت أن الرجل جدي في مسعاه. هنئته بدورها بالمناسبة و تمضى للمدرج بخطى متثاقلة والضباب يلفها شيئا فشئا حتى اختفت عن نظره .تمر الأيام ثقيلة في غيابها، ينتظر الرد عن رسالته لكنه لم يأت. وعندما التقاها بعد أيام لم تتغير. تبقى التحية و الابتسامة ترافقها كأن شيئا لم يحدث وهو الذي كان يزعم أنه أذاب جبل الجليد الذي كان يفصلهما عن بعضهما البعض. كانت كالعاصفة في دمارها. تتوالى الخطابات دون رد رغم تسليمها المباشرفيتسأل . _انه لأمر غريب لماذا هذا السكوت؟ هل السكوت من علامات الرضا؟ فلم تستلم الخطابات بابتسامة عريضة دون رد؟ هل هي بلهاء حتى لهذا الحد؟ هل تفعل ذالك من باب الرأفة؟ بعد تفكير عميق يقرر أيوب المواجهة و ينتظرها كالمعتاد و هو يردد : _سأوقف العاصفة، سأركبها إن لم تحملني فلتكسرني... و بينما هو على حاله، اذ يلفت انتباهه قرع أقدام وراءه فيلتفت فيتفاجأ بسؤالها. - أيوب ما بك؟ هل أنت مريض؟ _ لماذا هل يبدو لك ذلك؟ _ سمعتك تخا طب نفسك. - لا أنا بخير، أنا في انتظارك أريد أن.. _ تريد ماذا ؟ تكلم. _أريد أن أوجه لك دعوة ليوم الاثنين لكي مزور متحف المدينة معا، ما رأيك؟ و بدون تردد تبتسم كالعادة وتقبل الدعوة بدون شريطة أن تكون نهاية الأسبوع. لم تسع أيوب الأرض من الفرحة، لقد أستطاع الوقوف أمام العاصفة و ها هو يوجهها للوجهة التي أختارها. مرت الأيام الفاصلة وكأنها الأبدية وعندما حل اليوم الموعود غابت هدى وتساءل أيوب. _هل أصابها مكروه؟ لماذا غابت ؟ هل غيرت رأيها؟ ما الذي جرى؟.. ينقضيان يومين كاملين، و حين يلتقي بها يستفسرها عن سبب اختفائها تجيبه بكلام مبهم، وقالت : - لنبقى أصدقاء و باسم الاختلاف تستمر الحياة. لحظتها أحس أيوب بأن شيئا ما قد حصل، و قد كانت مفاجأته كبيرة يوم أن رآها ذات مساء تركب سيارة فاخرة فيتبع آثارها حتى تدخل بصحبة رجل طاعن في السن من ذوى البطون المنتفخة لأحد النوادي الليلية، يسترق النظر خلسة من وراء الزجاج، يراها تشعل سيجارة (مارلبورو) يصفق مرافقها للنادل ليطلبا شيئا... و أستيقض أيوب من أحلامه، اذ أيقن أنها تخفى عنه أشياء، و كانت رسائله تقبل سوى من باب العطف لا غير وأيقن بأن الحب أخذ و عطاء، و هذ ما لم يلمسه فيها.انه الواقع الذي لم يرد أن يعترف به، فيتسأل للمرة الأولى في حياته. _ ما هو الواقع ؟ و من صنعه ؟ و لماذا حين يتجسد تتبدد الأحلام؟ الهزيمة لم تترك لأيوب منفذا سوى الهرب من الواقع، فيطلب تحويله من عمله لتمنراست بأقصى الضحراء بحثا عن الهدوء و نسيان الواقع المر. و تشاء الصدف و هو في طريقه للمطار أن يرى هدى تتأبط صديقا جديدا و حين تدير رأسها تتلاقى النظرات، فيعاوده مشهد أمل و هي تودعه الوداع الأخير، و هي تنزف دما على سرير المستشفى لتغادر هذا العالم، لكن هدى لتمتطى سيارة فاخرة من نوع ( الشبح ) لثرى أخر لتنطلق بها إلى الجحيم الراقي، انه لعالم سحري لا مكانة فيه للبسطاء و لا للظعفاء، بنيت مبادئه على المال و القوة. تشده الحيرة و يتساءل : _ما دام هذا العالم السحري من صنع الأثرياء، فلماذا يقحم فيه البسطاء ليكونوا من أول ضحاياه ؟ فما دخل هدى به ؟ ألم تعد من عجينتى ؟ هل أدخلت إليه مرغمة أم طواعية ؟ هل للبؤس دخل في ذالك ؟ عالمهم هذا كل شيء يباع و يشترى فيه، هذا لعجيب حقا أحمر بأنواره هدوئه غضب، لياليه صخب تدب فيه الحركة إلا ليلا انه عالما للخفافيش. يصل أيوب المطار كالطير الجريح، مكسور الجناحان، وراح يبحث عن ( شجاعة الشجعان ) التي تنقصه والتي ترفعها جريدة الرأي شعارا. وهو على متن الطائرة في طريقه للجنوب الكبير راح برتل مع الرعد ووميض البرق أغنية مرتجلة من تأليفه: _عندما مشيت وراء هذا الاسم لم أكن أعرف أنني العابر الذي شرب و اكتوى من الحسن نبيذا من اللهب و جعلت منه شهيدا، فارق أرضه و صار بطلا رمزيا للنسيان يجر ملحمته الكبرى... بعد سفر دام أربع ساعات، تحط الطائرة بمطار (أقنار) يلتحق أيوب بمنصب عمله الجديد، تاركا همومه لوهران عاشقة البحر لعلها تحكيها للأجيال ، يطوى صفحة كئيبة ويفتح أخرى ناصعة البياض حيث يذوب في صمت الهقار ، و يجعل من إقامته المحاذية لقمة ( الأسكريم ) معبدا له و يملئ أوقات فراغه بالصلوات و التأمل في فساحة الصحراء و عظمة الخالق في الإبداع ، ويتخذ من الطبيعة العذراء عشيقة له لأنها أحن و أوفى من بنى البشر. و من حين لآخر تهب الرياح الموسمية و تصاحبها العواصف و حين تهدأ، تظهر للوجود كثبان رملية شكلت، فتزيد من روعة المكان و تزيد من إيمان أيوب بربه و عظمته، فيرتمي في نسوك بين أحضان العالم الروحاني تاركا العالم المادي للماديين، انه الشوق الذي لا يعرف له مسكنا، عالم ملائكي الجناح، مثالي الطقوس فيه العبادة الأبدية، و التي هي أقوى من العواصف حتى و إن حلت واحدة من النوازل ، يستقبلها بثبات اذ يقول دائما : _ ذا الطريق المحتوم المرموز بك أيتها العا صفة، غيرك ما كان للقدر لزوم، لولاك ما كان السبيل إلى هدى. الدمية الصامتة، البرق و الصاعقة...)) نهاية الجزء الأول المصدر: منتديات مدينة الاحلام i]n ,hguhwtm ---hg[.x hgH,g---- |
11 - 10 - 2006, 23:31 | رقم المشاركة : [2] | |||
| قصه رائعه و ذات اسلوب مشوق جدا جدا شكرا لك ,,, ننتظر الجزء الثاني | |||
12 - 10 - 2006, 00:22 | رقم المشاركة : [3] | |||
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مشكووووور جدأ قصه جميله جدأ معا ان ننا ما كملته بس اوعدك ان انا با اكمله يا عيوني اخوك : مدرسة الحب | |||
12 - 10 - 2006, 00:31 | رقم المشاركة : [4] | ||||||||||||||||||||||||||
|
بيسان شكرا على المرور ودمت صديقا لي سأنزل الجزء الثاني في الحال | ||||||||||||||||||||||||||
12 - 10 - 2006, 00:36 | رقم المشاركة : [5] | ||||||||||||||||||||||||||
|
مدرسة الحب أنا فصل ابتدائى منك ، نزولا عند طلبك وطلب الاخوة سأنزل الجزء الثاني حالا | ||||||||||||||||||||||||||
04 - 11 - 2006, 18:54 | رقم المشاركة : [6] | |||
| الله يخليك يا عزيزي اخوك : ابو فهد | |||
04 - 11 - 2006, 22:43 | رقم المشاركة : [7] | |||
| قصه جميله الله يعطيك العافيه وعساك عالقوة | |||
28 - 11 - 2006, 03:13 | رقم المشاركة : [8] | ||||||||||||||||||||||||||
|
جمال الروح الله يعافيك. | ||||||||||||||||||||||||||
12 - 01 - 2007, 06:46 | رقم المشاركة : [9] | |||
| تسلم اخى قصة رائعة فى انتظار جديدك دمت فى رعاية الله | |||
15 - 01 - 2007, 09:46 | رقم المشاركة : [10] | |||
| شكرا على الزيارة. | |||
27 - 01 - 2007, 11:23 | رقم المشاركة : [11] | ||
| الاخ كم كنت متميز عند نقل هذه القصه شكرا المزيد | ||
31 - 01 - 2007, 02:10 | رقم المشاركة : [12] | ||||||||||||||||||||||||||
|
شكرا على المرور بانية. | ||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
فتاوى تهم الصائم .. الجزء الأول ,, | بيســــان | قسم رمضان | 12 | 25 - 08 - 2010 23:31 |
هدى والعاصفة...الجزء الثاني... | cherif rouan | قسم القصص والرويات | 8 | 31 - 01 - 2007 02:14 |
علاج لطرد السموم من الجسم | العقيق اليماني | قسم الصحة | 6 | 30 - 12 - 2006 03:39 |
Powered by vBulletin Version 3.8.7 Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd ترقية وتطوير: مجموعة الدعم العربى |