منتديات مدينة الاحلام

فيس بوك مدينة الاحلام twitter RSS 

 
 

 

 

معجبو مدينة الاحلام علي الفيس بوك

  #1  
قديم 27 - 07 - 2009, 14:39
بكيل غير متصل
..:: من سكان المدينة ::..
 


بكيل is on a distinguished road
افتراضي الدين وحده الذي يروض النفس










الدين وحده الذي يروض النفس
استقبل الرسول جمعاً من أصحابه وقد عادوا من مهمة قتالية قائلاً: "مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر" فظنوا أن الرسول يريد أن يرسلهم في مهمة أكبر، فسألوه والسيوف في أغمادها عن ذلك، فقال (ص): الجهاد الأكبر جهاد النفس؛ وقال (ص) في حديث آخر: أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه. وهذا الحديث مثل سابقه يتحدث عن حرب داخلية، عن إحكام الجبهة الداخلية في الوجود الإنساني، وهذا يدل على وجود صراع محتدم في أعماق الإنسان كما عبر الرسول عن ذلك.
وهذه حقيقة يؤكدها علماء النفس إذ إن الإنسان يتعرض إلى حالة من التمزق النفسي في أفكاره وعواطفه ومن ثم ينشأ صراع بين جبهتين، ولهذا نجد أفراداً يقومون بأعمال متناقضة تماماً فهو في لحظة هادئ وديع وفي أخرى سيء الخلق، مرة يكون رحيماً عطوفاً ومرة يكون عديم الإحساس قاسي القلب، يجبن مرة ويتهور أخرى، ومرة يتجه إلى الله وأخرى ينصرف وراء الفسق والفجور، في يده مصحف وفي الأخرى الكأس، يوم في حلال ويوم في حرام، لا هو كافر ولا هو مسلم.
ماذا يعني هذا التقلب في العمل والسلوك. من أين نشأ هذا التناقض؟ لماذا يسير البعض متغنجاً مثل طائر الحجلة ثم يتقلع في مشيه مثل الغراب؟ إن هذا النشاز في العمل والتناقض في السلوك إنما ينشأ عن خلل في الأفكار وتمزق في العواطف.
وإذن يتوجب إنهاء هذا الصراع وإطفاء نار هذه الحروف وإرساء أسس السلام والاستقرار في أعماق النفس لينشأ نوع من السلام الحقيقي الدائم لا الموقت بين الفكر والعاطفة؛ وإلى أن يتم التصالح بين الأفكار والعواطف في ذات الإنسان لا يمكننا إرساء قواعد السلام في المجتمع، وعلى حد تعبير أحد الفلاسفة المعاصرين: "كيف يمكن للمرء الذي يعيش حالة الحرب في ذاته أن يعيش حالة السلام مع الآخرين"؟
وهنا نشعر مرة أخرى بحاجتنا إلى الدين، ذلك أن أية قوة لا يمكنها ترويض النفس، إذ إن قوى المال أو العلم أو المنصب هي مجرد وسائل تستخدمها النفس وآلات طيعة للهوى والرغبة البشرية، بل إنها تتحول إلى وسائل دمار إذا ما أصبحت في كف من به مس من الجنون؛ وإذن يجب أن نبحث عن وسيلة أخرى.
إن مواجهة النفس التي تحاول اجتياح العقل والتغلب على الأخلاق ليست من مهمات العقل.
إن القوة الوحيدة القادرة على تحقيق هذه المعجزة وكبح جماح ذلك الوحش الكاسر وتحويل ذلك العفريت إلى ملاك للسلام ورأب التصدع والاختلال في الضمير وتنظيم عمل وسلوك الإنسان وإرشاده إلى الطريق القويم إن هذه القوة هي الدين.
إن الدين يزخر بعبارات (الصراط المستقيم) و(الطريق الحق) وفي مقابل ذلك توجد الطرق الملتوية والمعوجة، فالناس الذين يسيرون في طريق الحق المستقيم هم أولئك الذين يعيشون حالة التناغم والانسجام بين أفكارهم ومشاعرهم، أي بين قوة الخيال وقوة العقل، حيث استسلم شيطان الخيال والوهم إلى ملاك العقل، وحل الانسجام بين أحط الغرائز والرغبات وأسمى العواطف والمشاعر الإنسانية النبيلة، وانقادت الشهوات إلى الفطرة الطاهرة.
أسأل الله أن يوفقنا جميعاً إلى السير في صراطه المستقيم، وأن يجنبنا الانحراف عنه يميناً أو شمالاً.
طريق السعادة

قال سبحانه في قرآنه الكريم: (وأتوا البيوت من أبوابها).[البقرة: 188]
ربما يبدو هذا الأمر بسيطاً ويسيراً، ذلك أن كل إنسان يتمتع بقدر من الشعور والإدراك إذا ما أراد أن يدخل بناءً ما كأن يكون منزلاً أو دائرة فإنه يدخل من خلال الباب ولا يعبر الجدار، وهذه قاعدة عامة لا تنحصر بالمنزل أو الدائرة بل تتعدى ذلك لتشمل كل شؤون الحياة. فالحياة والسعادة تشبه بناءً مبنياً باللبن والطين وله أبواب، وعلى الإنسان أن يعرف تلك الأبواب أولاً ثم يعود نفسه عليها ثانياً أي يسلك الطريق المستقيم والسوي لدخول الحياة ومن ثم البحث عن السعاد.
وهذه القاعدة العامة في حياة البشر تحتاج إلى بصيرة لتشخيص السبل الصحيحة للدخول إلى دائرة الحياة لكي لا يبقى المرء خلف جدرانها عاطلاً حيراناً.
إن العديد من الناس يقضون أعمارهم خلف الجدران بمنأى عن السعادة مرددين: "لم نفهم شيئاً من الحياة، إنها حياة بلا معنى" وهؤلاء يقضون حياتهم حيارى ضائعين وقد تتعاظم حيرتهم فتتحول إلى نوع من التشاؤم والحساسية ومن ثم الغرور فإذا بهم يدعون اكتشاف حقيقة الحياة وزيفها ووهم السعادة وخيالها مؤكدين أصالة الألم والشقاء، ولأن الآخرين لا يتمتعون برهافة حسهم؛ فإنهم لا يدركون هذه الحقيقة!
إن هؤلاء أنفسهم لا يشعرون بانعدام الرؤية لديهم وبقاءهم خلف جدران الحياة وقد قضوا أعمارهم دون أن يعثروا على باب يمكنهم من الدخول.
لقد تصوروا أول حفرة صادفتهم طريقاً وعلى أساس هذا التصور الخاطىء كانوا ينأون عن الطريق الصحيح يوماً بعد آخر فإذا هم يقضون عمرهم في الحفر المظلمة، وعلى حد تعبير أحد العلماء: لقد هيأوا أنفسهم للإحساس بالالم والشقاء فإذا بهم يصرخون ويتألمون لأقل شيء يصيبهم وقد تبلدت أحاسيسهم تجاه أسباب السعادة.
قال سبحانه وتعالى: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون). [النحل: 97]
وينبغي الإشارة هنا إلى أن القرآن الكريم في هذه الآية المباركة لا يعتبر الكفار والمسيئين أحياءً، ذلك أن شرط الحياة الحقيقية والشعور بالسعادة هو الإيمان، وعندها يدرك المرء أن الحياة حافلة بالمعاني زاخرة بالسعادة، فإذا هم يعيشون أوقاتهم دون ألم وشقاء وعذاب.
لقد أوضح الأنبياء طريق الحياة وبعبارة اخرى أشاروا إلى الباب الذي ينفتح على الحياة الحقيقية والسعادة.
لقد جاءوا ليعلموا الإنسان أن الكذب والخيانة وعبادة الذات والمصالح الشخصية والأحقاد الدفينة ليست طرقاً للوصول إلى السعادة والطمأنينة، إن طريق السعادة هو الصدق والاستقامة والإحسان والأخلاق الحسنة، وعمل الخير والعطف؛ إن الإيمان بالغيب ومن ثم الإحسان انطلاقاً من ذلك الإيمان هو وحده الذي يهب القلب الطمأنينة والشعور بالسعادة.
وقد ورد في الحديث الشريف: "إن الله جعل الروح والراحة في الرضا واليقين والهمّ والحزن في الشك والسخط [1]".
واليقين هو الإيمان المتين والثابت بأن لهذا الكون مدبراً حكيماً وأنه ارسل الأنبياء مبشرين ومنذرين، وأنه لا مفر من يوم الجزاء عاجلاً كان أم آجلاً، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره، وأما الرضا فهو الطمأنينة والتسليم إلى حكم الله وفرائضه وأداء الواجبات.
يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعاء له: "اللهم صل على محمد وآل محمد وبلغ بإيماني أكمل الإيمان واجعل يقيني أفضل اليقين وانتهِ بنيتي إلى أحسن النيات وبعملي إلى أحسن الأعمال [2]".
وهذا منتهى السعادة التي ينشدها الإنسان: طمأنينة في الفكر، وطهارة في القلب، وإحسان في العمل؛ فالحياة الطاهرة هي الحياة السعيدة.
أركان السعادة البشرية
(والعصر إن الإنسان لفي خسر إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
في هذه السورة المباركة يشير القرآن الكريم إلى أن السعادة البشرية إنما تنهض على أربعة أركان: الأول هو الإيمان، والثاني العمل الصالح، الثالث التواصي بالحق، أما الركن الرابع فهو التواصي بالصبر.
والإيمان هو الركن الأساسي في الحياة الإنسانية، فالإنسان بما هو إنسان لا يمكنه أن يعيش سعيداً مطمئناً ناعم البال دونما إيمان، كما أن النشاط الإنساني يحتاج إلى قاعدة يستند إليها وينطلق منها وإلا عمت الفوضى وساد الاضطراب وفقد الإنسان إقباله ورغبته في الحياة.
لو نظرنا إلى الحيوان وتأملنا في سلوكه لأدركنا عدم حاجته إلى ما ندعوه بالإيمان، ذلك أن النشاط الحيواني محدود ولا يتعدى دائرة الطعام والشراب والنوم ورعاية الصغار كحد أقصى، وهو ينطلق بنشاطه من منطلق الغريزة، فالضمأ أو الجوع هو الذي يحركه دون تردد للبحث عن الماء والكلأ.
لو كانت دائرة النشاط الإنساني محدودة ومحصورة بالغرائز لما احتاج الإنسان في عمله إلى قاعدة يستند إليها سوى الغريزة، ولكن ما العمل ودائرة الإنسان واسعة جداً لا تحدها حدود، فأول شيء يمتاز به الإنسان عن الحيوان هو أنه كائن اجتماعي، والحياة الاجتماعية هذه سبب في استفادته وإفادته للآخرين، فهو من جانب مكلف بأداء وظيفته تجاه المجتمع، ومن جانب آخر يقدم له المجتمع مختلف أشكال الخدمة.
وهنا تتجلى الغريزة الإنسانية عن دورها في رسم السلوك الإنساني وتنعدم تلك البساطة والسهولة بل واللذة والفرح في القيام بالاعمال الطبيعية، وعلى هذا الأساس يتحمل الإنسان مسؤوليته ويشعر بثقلها على عاتقه، إذ يتوجب عليه الصدق والأمانة والتضحية والإنصاف والعدالة والتقوى والعفة، في حين تقتضي منفعته وطبيعته الشخصية العكس، فلتحقيق لذائذه يتطلب منه الكذب والخيانة والسرقة أن يتخلى عن ثوب التقوى والطهارة والعفة ليمكنه نيل مراده. وهنا يرى الإنسان نفسه أمام قرارات كبرى تخالف طبيعته ومنافعه الشخصية؛ ومن المحال أن تقنع نفسه بالفضائل دون قاعدة تنطلق منها أو تنهض عليها وهي الإيمان الركن الأول في السعادة البشرية.
الركن الثاني هو العمل الصالح فمن الممكن أن يؤمن الناس لكنهم لا يقومون بالأعمال الصالحة، وقد يبدو قبول هذا الأمر صعباً في الوهلة الأولى. إذ كيف يؤمن الإنسان دون أن يتجلى إيمانه بالعمل الصالح؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!
لا ينبغي التعجب من ذلك، ذلك أن البعض من الناس يؤمنون بالمبادئ السامية: يؤمنون بالله والأنبياء والكتب السماوية ولكنهم وبسبب بعض الانحرافات والفهم الخاطئ يظنون أن المطلوب فقط هو الإيمان ولا أهمية للعمل.
وقد يوجد البعض ممن يعمل وينطلق بعمله هذا من منطلق الإيمان والعقيدة ولكنه يخطئ في تشخيص ذلك، فهو يقوم بسلسلة من الأعمال منطلقاً من إيمانه وعقيدته دونما فائدة أو أثر يترتب عليها.
إننا نشاهد الكثير من الناس ممن يعانون ويقاسون في قيامهم بأعمالهم تلك دون أثر للإحساس، وإذا بسعيهم هذا يبقى دونما معنى أو فائدة.
الركن الثالث في سعادة البشر هو التواصي بالإيمان والحق والعمل الصالح، فليس المطلوب من أفراد المجتمع الإيمان والعمل الصالح فحسب بل والتواصي بذلك أيضاً بشتى الوسائل قولاً وفعلاً وأن يشجع بعضهم بعضاً بشكل يظهر فيه المجتمع ملهماً لأفراده عمل الخير، لا أن يكون ـ لا سامح الله ـ منطلقاً وملقناً لأفراده الفساد والانحراف والعمل السيئ.
الركن الرابع وهو التواصي بالصبر والاستقامة والثبات، ذلك أن الحياة لا تمضي وفق ما يريده الناس، وعواصف الدهر لا تهب دائماً في الجهة المطلوبة والرياح لا تجري بما تشتهي السفن، ولذا فإن على أفراد المجتمع مواجهة حوادث الزمن ونوائب الدهر، وأن يتواصوا بالصبر والثبات والاستقامة. قال سبحانه في محكم كتابه الكريم: (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا). [الجن: 16]
الإيمان والعمل الصالح
يزخر القرآن الكريم ببعض العبارات ذات الدلالة والأهمية الخاصة، ومن هذه العبارات: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات).[البقرة: 82]
إن إقران الإيمان بالعمل الصالح دائماً إنما يشير إلى الأهمية التي يوليها القرآن الكريم إلى هذه المسألة باعتبارها قاعدة تنهض عليها السعادة الإنسانية، وينبغي الإشارة هنا إلى أن الإيمان الذي يدعو له القرآن هو الإيمان بالذات المقدسة التي هي أساس الإيمان بجميع حقائق العالم.
وينبغي هنا أن أشير إلى جملة أمور:
الأول: إن الإيمان ركن رئيسي في حياة الإنسان، أي أن يعتقد بشيء ما ويعتبره حقيقة عليا ينقاد لها ويعتمد عليها؛ وإن من أسوأ حالات الإنسان هي عجزه عن الإيمان بحقيقة معينة وفي هذه الحالة سيصبح مشوش الأفكار والمشاعر وسيكون العالم في نظره مشوشاً وصورة منعكسة لأفكاره المضطربة.
الثاني: من الأفضل أن يكون الإيمان بشيء مقدس وسامٍ بحيث يخضع الإنسان له ويضحي من أجله؛ وبعبارة أخرى من الأفضل أن يمتلك الإنسان في هذه الدنيا عقيدة يدافع عنها ويستلهم سلوكه منها، لا أن يبقى مذبذباً ومضطرباً، ولكن ليس كل العقائد والمبادئ مقدسة وليست كل العقائد تستحق التضحية في سبيلها، هناك الكثير من العقائد والمذاهب لا تتعدى المصالح الشخصية والأنانية؛ ومن الطبيعي إذا كانت العقيدة تدور في فلك المصلحة الشخصية وتستمد جذورها من عبادة الأنا أن لا تستحق من الإنسان التضحية في سبيلها. إن التضحية من أجل هكذا عقائد ومذاهب تنطلق من لا شيء هو مجرد جنون.
إن العقيدة التي تستحق من الإنسان أن يجاهد في سبيلها ويضحي من أجلها ينبغي أن تكون فوق جميع المصالح الفردية المادية.
الثالث: ينبغي أن يؤمن الإنسان بشيء يسمو فوق جميع المقدسات بحيث يكون الإيمان به إيماناً بجميع الحقائق.
لقد أثبت الفلاسفة الإلهيون أن "الذات الأحدية هي منشأ جميع الحقائق" فإذا كان الإيمان خالصاً فإنه سيكون إيماناً بجميع الحقائق ذلك أنها تنبعث من ذاته المقدسة وتنهل من فيض نبعه الأزلي.
يعبر القرآن الكريم عن ذلك بقوله: (الحق من ربك).[البقرة: 147] ولم يقل الحق مع ربك، فالله أسمى من أن نقول أنه مع الحق بل هو الحق وكل حق إنما ينبع من ذاته المقدسة.
إن الإيمان الذي يشير إليه القرآن هو الإيمان بالله الذي يعني الإيمان بالعلم والحكمة والقدرة والنظام والتدبير والعدالة.. الإيمان بأن كل ما في هذا العالم حق.
وأما الركن الثاني فهو العمل، والمراد هنا العمل الصالح وليس مطلق العمل.
الإنسان يتألف من روح وجسد، من قلب وقالب، وعليه ينبغي أن يكون الإيمان في القلب لكي لا يبقى حيراناً ضائعاً، فتطمئن روحه، وفي جانب البدن ينبغي أن يكون كالشجرة المحملّة بالثمار.
عالمنا عالم متحرك، عالم عمل ونشاط، من أكبر المجرّات في السماء إلى أصغر الذرات وأدقها والتي تمكن الإنسان من اكتشافها؛ كل شيء في حالة عمل وحركة ونشاط، لا توجد ذرة واحدة أو قطرة واحدة دون عمل.
الإنسان هو الآخر لا يستثنى من هذه القاعدة العامة. إن الإنسان وبحكم الضرورة لا يتوقف عن العمل، فالروح والمخ في حالة عمل مستمر وفي حالة من الحركة المتواصلة، انتقال من خاطرة إلى أخرى ومن تصور إلى آخر، حتى في حالة النوم حيث يبدو المخ في استراحة ظاهرة فهو في حركة ونشاط مستمرين؛ كذلك الجسم فهو في حالة من النشاط الدائب، إذ لا مفر من رؤية الأشياء والنظر إليها، ومن الاستماع إلى الأصوات المختلفة؛ غير أن دائرة عمل الإنسان أوسع لأنه كائن يتمتع بالحرية والاختيار، فهو من ناحية يمكنه أن يكون مفيداً في عمله، ويمكنه كذلك أن يكون مدمراً. يمكنه أن يخطو في طريق الكمال والسعادة لنفسه والآخرين، ويمكنه السير في طريق الشقاء؛ ولهذا فهو يحتاج إلى هداية وإرشاد، وإلى من يقول له أن عمله ينبغي أن يكون صالحاً.
فلو تركت الروح لحالها فإنها ستعيش خواطر الماضي وتتحرك في إطارها كما لو أنها تدور في فلك ثابت لا تتقدم فيه نحو الأمام خطوة واحدة، ولكنها لو وجهت فكرياً وأضحى عملها مفيداً بحيث تنتج أفكاراً جديدة ومفيدة، واصبحت مصداقاً لحديث الرسول الأكرم (ص): "تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة" كان عملها صالحاً.
إن الإنسان لا يمكنه البقاء عاطلاً عن العمل روحاً وجسماً، وإذن عليه أن يسعى في ان يكون عمله صالحاً، فالقرآن الكريم لم يذكر العمل مطلقاً بل قرنه دائماً بالصلاح (وعملوا الصالحات).
وإذن فإن السعادة الإنسانية تقوم على ركنين: الإيمان والعمل، ليس مطلق الإيمان وليس مطلق العمل، بل الإيمان بأقدس وأسمى الحقائق، التي يكون الإيمان بها إيماناً بجميع الحقائق، وهو الإيمان بالذات الأحدية التي هي مبدأ العلم والقدرة والنظام والحكمة والحياة والسعادة، ومن ثم العمل الصالح الذي يدفع بالإنسان نحو الأمام في طريق التكامل والسعادة.
ذل المعصية وعز الطاعة
قال الرسول الأكرم (ص): "من أراد عزاً بلا عشيرة وغنىً بلا مال وهيبة بلا سلطان فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته[3]".
لاشك أن المال يسدّ بعض حاجات الإنسان وأن العشيرة تمنحه العزة والمنعة والاحترام وتعزز مركزه الاجتماعي؛ إلا أن هذه الأمور محدودة باعتبارها وسائل مادية لا تتيسر لكل الناس، إذ لا يمكن أن يكونوا أثرياء جميعاً بحيث يسدون كل ما يلزمهم، وهذه المسألة تنسحب على العشيرة أيضاً، فليس كل الناس تتوفر لديهم هذه الميزة، بل إنها تنحصر في أفراد معينين.
ولذا فإن الله سبحانه جعل الغنى والعزة والهيبة في أمور أخرى بحيث يمكن توفيرها لجميع الناس على حدّ سواء، ولا يستلزم ذلك منهم شيئاً سوى بعض المعاناة، وهو أن يُبنى الإنسان المتقي المؤمن بالله والمعافى أخلاقياً وروحياً هو بحد ذاته سيكون محترماً ومحبوباً لدى جميع الناس، إضافته إلى ما ينطوي عليه هذا الحب من التعظيم والهيبة والإجلال.
فإذا ما عرضت له حاجة بادر الجميع إلى قضائها معتبرينه كأحدهم، فهو شريكهم في حياتهم وسعادتهم.
إن النعم المادية محدودة ومقسمة، فإذا أصبح الإنسان وكل همه سد حاجاته المادية فلن يصل إلى هدفه أبداً، ذلك أن الإنسان كلما حقق أمنية من أمانيه طمح إلى أخرى أكبر منها، فهو في حالة من الاضطراب الدائم والقلق، بعيداً كل البعد عن الطمأنينة والرضا اللذين هما رمز السعادة.
إن الأمور المعنوية هي التي تهب الطمأنينة للإنسان، وقد قال العظماء: "إن الأماني الباطلة مثلها مثل الماء المالح، فهو لا يروي الإنسان أبداً بل يزيده ضماً حتى يقتله". لقد قالوا ذلك لكي نعتبر ونخرج عن دائرة الطمع ومدار الحرص ونبني حياتنا على أساس صحيح يضمن لنا السعادة؛ لم يقولوا ذلك لكي يدفعونا إلى الكسل والخمول وعدم المسؤولية.
على الإنسان أن يشق طريقه في بحر الحياة المتلاطم إلى أن يصل إلى الشاطئ المنشود، وفرق بين حركة سفينة العقل والعلم وبين السقوط في هاوية الحرص والطمع والتكالب.
فهناك من يدور في إحدى الدوامات البحرية العنيفة. إنه يتحرك بالطبع ويدور ولكن حركته هذه لن تقوده إلى ساحل النجاة أبداً بل العكس من ذلك تماماً.
من أسس الحياة هو الحركة والسير في الصراط المستقيم حيث طريق الأنبياء منذ فجر التاريخ، وإلا فهو السقوط في مهاوي الحرص والطمع والجنون، واللهاث وراء تكديس الثروة والأموال من أجل لا شيء؛ فالثروة وبغض النظر عن جانبها الاجتماعي وما ينتج عنها من هدر لحقوق المجتمع تعتبر ذنباً كبيراً حتى على مستوى الفرد نفسه، ذلك أنه يتحمل في سبيلها شتى أنواع العذاب، ويهدر كل عمره في سبيل الحفاظ عليها ومضاعفتها دون أن يترك لنفسه وقتاً للمطالعة والتأمل والانتهال من ينابيع الروح، بل إنه لا يستفيد من ثروته شيئاً، إذ يمكنه أن يسخرها في سبيل راحته، ولذا فهو يعيش في شقاء مستمر، ناهيك عن مسؤوليتها في الآخرة.
يقول علي (ع): "عجبت للبخيل يستعجل الفقر الذي منه هرب ويفوته الغنى الذي إياه طلب، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء[4]".
فالبخيل الذي يخاف الفقر ويكدس أمواله ويحرص عليها ويعاني في ذلك ما يعاني، هو في الحقيقة يعيش حالة الفقراء، التي يخاف منها، أما الغنى الذي ينشده فهو بمنأى عنه، بل إنه يبتعد عنه يوماً بعد آخر، وبالرغم من كل ذلك فإن حسابه سيكون حساب الأغنياء.
أجل هذا هو الانحراف عن الجادة الصحيحة والصراط المستقيم والسقوط في هاوية الأمراض النفسية كالبخل والحرص والطمع وجنون الشهرة والشهوة وغيرها، فالعظماء من البشر لم يطلبوا منّا الحرمان من النعم الإلهية بل أرادوا إنقاذنا من هذه المهاوي.



hg]dk ,p]i hg`d dv,q hgkts

 
 
 
 
 





رد مع اقتباس
قديم 27 - 07 - 2009, 15:21   رقم المشاركة : [2]
..:: من سكان المدينة ::..
الصورة الرمزية قاهر الاعداء
 

قاهر الاعداء is on a distinguished road
افتراضي

مشكور يابكيل


قاهر الاعداء غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 14 - 08 - 2009, 19:19   رقم المشاركة : [3]
..:: من سكان المدينة ::..
 

بكيل is on a distinguished road
افتراضي

بارك الله فيك أخي المحترم علي الرد الكثر من رايع


بكيل غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فجر طاقتك الكامنة في الأوقات الصعبة حسين حبيب المنقولات العـــامة 8 14 - 07 - 2010 06:38
Sherlock Holmes Versus Arsene Lupin .. [ الحل الكامل الأول عـربيا ] gasen قسم الألعاب الإلكترونية 2 27 - 04 - 2009 00:03
ღمــوضي //حلمـ يمـوتـ تحـت الأقـدامـღ ღغـرٍوٍر وٍكـبـرٍيـاءღ قسم القصص والرويات 12 04 - 07 - 2008 18:57
تفسير سورة الأعلى البرق القسم الاسلامي 2 29 - 06 - 2008 20:06
سلسلة قصص ألف ليله وليله (46- 50 ) روح القمـــر قسم القصص والرويات 6 06 - 04 - 2008 21:53


الساعة الآن 14:41.

    Powered by vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
ترقية وتطوير: مجموعة الدعم العربى
  

SEO by vBSEO