منتديات مدينة الاحلام

فيس بوك مدينة الاحلام twitter RSS 

 
 

 

 

معجبو مدينة الاحلام علي الفيس بوك

  #1  
قديم 16 - 04 - 2008, 19:35
الصورة الرمزية البرق
البرق غير متصل
..:: خدمة العملاء ::..
 


البرق is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى البرق إرسال رسالة عبر مراسل Yahoo إلى البرق
افتراضي شاعر اليمن الكبير : عبد الله البردوني










" شاعر مبدع ، لأنه عرف معنى الإبداع دون أن يرمي من ورائه إلى الوصول ،
وجد له من المحبين والمستمتعين بشعره أكثر مما كان يتوقع عرفوه ولم يعرفهم ،
استمتعوا بفنه وهو لا يزال يعيش حياته الطبيعية دون أن يقدم له شيء كثيرون
عاشوا على أدبه ولم ينل هو من ذلك شيء ، لم يستطع محبوه إنصافه أما غيرهم
فقد غمطوه حقه
"

شاعر اليمن الكبير عبد الله البردوني
أحمد بن ناصر الرازحي تعرفت عليه من خلال "يداها" :
مثلما يبتدىء البيت المقفّى رحلة غيميّة تبدو وتخفى
مثلما يلمس منقار السنى سحرا أرعش عينيه وأغفى
هكذا أحسّو يديك إصبعا إصبعا أطمع لو جاوزن ألفا
مثل عنقودين أعيّا المجنى أيّ حبّاتها أحلى وأصفى
هذه أملى ، وأطرى أختها تلك أشهى ، هذه للقلب أشفى
هذه أخصب نضجا إني ضعت بين العشر لا أملك وصفا
حلوة تغري بأحلى ، كما هتفت : كلي وصدت وهي لهفى
تلك أصبى ، تلك أنقى إنما لم أفكر أن في البستان أجفى
أنت من أين ؟ ـ كتبظي وتر ودنت شيئا ـ أنا من كلّ منفى
صمتت بعد سؤال قرأت من صداه … قصّتي حرفا فحرفا


شاعر اليمن الكبير عبد الله البردوني

وقبل أن نبحر معه .. كان له رسالة لقارئه .. جاءت في "ياقارئي" :
من القبر من حشرجات التراب على الجمر من مهرجان الذباب
و من حيث كان يدقّ القطيع طبول الصلاة أمام الذئاب
و يهوي كما يرتمي في الصخور قتيل على كتفيه ... مصاب
و من حيث كانت كؤوس الجراح تزغرد بين شفاه الحراب
و من حيث يحسو حنين الربى غبار المنى و نجيع السراب
و من حيث يتلو السؤال السؤال و يبتلع الذعر وهم الجواب
عزفت اصفرار الرماد العجوز ليحمرّ فيه طفور الشباب
و حرّقت أنفاسي المطفئات و أطفأتها بالحريق المذاب
أتشتمّ يا قارئي في غناي دخان المغنّي و شهق الرباب ؟
و تسمع فيه أنين الضياع تبعثره عاصفات الضباب
فإنّ حروفي اختلاج السهول و شوق السواقي ، و خفق الهضاب
و شوق الرحيق بصدر الكروم إلى الكأس و الثلج في كلّ باب
و خوف المودّع غيب النوى و سهد المنى في انتظار الإياب
أنا من غزلت انتحار الحياة هنا شفقا من زفير العذاب
و لحّنته سحرا يحتسي رؤى الفجر بين ذراعي كتاب
و تنبض فيه عروق السكون و يمتدّ في ثلجة الالتهاب
و يتّقد الشوق في مقلتيه و يظمأ في شفتيه العتاب
إن من لم أجد حرفا يعطي شعره حقه في عذوبته وجماله .. ورقته ..

إنه الشاعر اليمني / عبدالله البردوني

شاعر اليمن الكبير عبد الله البردوني

فهو /
شاعر ثوري عنيف في ثورته، جريء في مواجهته، يمثل الخصائص
التي امتاز بها شعر اليمن المعاصر ،، والمحافظ في الوقت نفسه على
كيان القصيدة العربية كما أبدعتها عبقرية السلف، وكانت تجربته الإبداعية
أكبر من كل الصيغ والأشكال ...
ولد عام 1348هـ 1929 م في قرية البردون (اليمن)
أصيب بالعمى في السادسة من عمره بسبب الجدري ، درس في مدارس ذمار لمدة
عشر سنوات ثم انتقل إلى صنعاء حيث أكمل دراسته في دار العلوم وتخرج فيها
عام 1953م.
ثم عُين أستاذا للآداب العربية في المدرسة ذاتها ... وعمل مسؤولاً
عن البرامج في الإذاعة اليمنية.
أدخل السجن في عهد الإمام أحمد حميد الدين وصور ذلك في قصائده
فكانوا أربعة في واحد حسب تعبيره ، العمى والقيد والجرح ,,
وجاء على ذكرها في /
هدني السجن وأدمى القيد ساقي فتعاييت بجرحي ووثاقي
وأضعت الخطو في شوك الدجى والعمى والقيد والجرح رفاقي
في سبيل الفجر ما لا قيت في رحلة التيه وما سوف ألقي
سوف يفنى كل قيد وقوى كل سفاح وعطر الجرح باق
شاعر اليمن وشاعر .. منتم الى كوكبة من الشعراء الذين مثلت رؤاهم الجمالية
حبل خلاص لا لشعوبهم فقط بل لأمتهم أيضا‚ عاش حياته مناضلا ضد الرجعية
والدكتاتورية وكافة اشكال القهر ببصيرة الثوري الذي يريد وطنه والعالم كما
ينبغي ان يكونا‚ وبدأب المثقف الجذري الذي ربط مصيره الشخصي بمستقبل
الوطن‚ فأحب وطنه بطريقته الخاصة‚ رافضا أن يعلمه أحد كيف يحب‚ لم يكن
يرى الوجوه فلا يعرف إذا غضب منه الغاضبون‚ لذلك كانوا يتميزون في حضرته
غيظا وهو يرشقهم بعباراته الساخرة‚ لسان حاله يقول:
كيف لأحد أن يفهم حبا من نوع خاص حب من لم ير لمن لا يرى ..
هو شاعر حديث سرعان ما تخلص من أصوات الآخرين وصفا صوته عذبا‚
شعره فيه تجديد وتجاوز للتقليد في لغته وبنيته وموضوعاته حتى قيل‚ هناك شعر
تقليدي وشعر حديث وهناك شعر البردوني‚ أحب الناس وخص بحبه أهل اليمن‚
وهو صاحب نظرة صوفية في حبهم ومعاشرتهم إذ يحرص على لقائهم بشوشا
طاويا ما في قلبه من ألم ومعاناة ويذهب الى عزلته ذاهلا مذعورا قلقا من كل شيء .
تناسى الشاعر نفسه وهمومه وحمل هموم الناس دخل البردوني بفكره المستقل الى
الساحة السياسية اليمنية‚ وهو المسجون في بداياته بسبب شعره والمُبعد عن
منصب مدير إذاعة صنعاء‚ والمجاهر بآرائه عارفا ما ستسبب له من متاعب ...
في عام 1982 أصدرت الأمم المتحدة عملة فضية عليها صورته كمعاق تجاوز
العجز‚ ترك البردوني دراسات كثيرة‚ وأعمالا لم تنشر بعد أهمها السيرة الذاتية..
له عشرة دواوين شعرية، وست دراسات. . صدرت دراسته الأولى عام 1972م
"رحلة في الشعر قديمه وحديثه" .
أما دواوينه فهي على التوالي:
- من أرض بلقيس 1961 -
- في طريق الفجر 1967 -
- مدينة الغد 1970
- لعيني أم بلقيس 1973
- السفر إلى الأيام الخضر 1974
- وجوه دخانية في مرايا الليل 1977 -
- زمان بلا نوعية 1979
- ترجمة رملية لأعراس الغبار 1983
- كائنات الشوق الاخر 1986 -
- رواء المصابيح 1989
في الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الاثنين 30 أغسطس 1999م
وفي آخر سفرات الشاعر الى الأردن للعلاج توقف قلبه عن الخفقان
بعد ان خلد اسمه كواحد من شعراء العربية في القرن العشرين ..
ربما اختصر الكثير من حياته في هذه الكلمات ..
لكن حسبنا أن ماسينقل لنا الجمال وضده اللذان عاشهما هو أبيات سنسوقها هنا ..
إليكم مقطوعة أولى .. كمدخل على شعره ..
"عروس الحزن "
منزلها الكبير بجوار الصغير ، و قد لفني و إياها عاطف
الحنان و الحنين فتلاقينا على بعد .
تظل تغني ، و أظل أصغي إلى أغانيها ، و صوتها يتعثر في دمعها ،
ودمعها يتحشرج في صوتها ، و في نغماتها تتحاضن الدموع و الترنم ..
صوتها دمع و أنغام صبايا و ابتسامات و أنّات عرايا
كلّما غنّت جرى من فمها جدول من أغنيات و شكايا
أهي تبكي أم تغنّي أم لها نغم الطير و آهات البرايا ؟
صوتها يبكي و يشدو آه ما ذا وراء الصوت ما خلف الطوايا ؟
هل لها قلب سعيد و لها غيره قلب شقيّ في الرزايا ؟
أم لها روحان : روح سابح في الفضا الأعلى وروح في الدنايا ؟
أم تلاقت في حنايا صدرها صلوات و شياطين خطايا ؟
أن تناجت في طوايا نفسها لحن عرس و جراحات ضحايا ؟
لست أدري . صوتها يحرقني بشجوني إنّه يدمي بكايا
كلّما طاف بسمعي صوتها هزّ في الأعماق أوتار شجايا
و سرى في خاطري مرتعشا رعشة الطيف بأجغان العشا
أترى الحزن الذي في شجوها رقّة الحرمان أم لطف السحابا
أم تراها هدّجت في صوتها قطع القلب و أشلاء الحنايا
كلّما غنّت .. بكت نغمتها و تهاوى القلب في الآه شظايا
هكذا غنّت ، و أصغيت لها و تحمّلت شقاها و شقايا
يا عروس الحزن ما شكواك من أيّ أحزان و من أيّ البلايا
ما الذي أشقاك يا حسنا ؟ و هل للشقا كالناس عمر و منايا ؟
هل يموت الشر ؟ هل للخير في زحمة الشر سمات و مزايا ؟
كيف تعطي أمّنا الدنيا المنى و هي تطوي عن أمانينا العطايا
و لقوم تحمل البذل كما يحمل إلى الحسنا الهدايا
هل هي الدنيا التي تحرمني أم تراخت عن عطاياها يدايا ؟
أنا حرماني و شكوى فاقتي أنا آلامي و دمعي و أسايا
لم يرع قلبي سوى قلبي أنا لا ولا غذّبني شيء سوايا !
جارتي ، ما أضيق الدنيا إذا لم تشقّ النفس في النفس زوايا



ahuv hgdlk hg;fdv : uf] hggi hgfv],kd

 
 
 
 
 





رد مع اقتباس
قديم 16 - 04 - 2008, 19:36   رقم المشاركة : [2]
..:: خدمة العملاء ::..
الصورة الرمزية البرق
 

البرق is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى البرق إرسال رسالة عبر مراسل Yahoo إلى البرق
افتراضي

وهذه قصيدته "من منفى إلى منفى":
بـلادي مـن يَدَي طاغٍ إلـى أطـغى إلى أجفى
ومـن سـجن إلى سجن ومـن مـنفى إلى منفى
ومــن مـستعمر بـادٍ إلـى مـستعمر أخـفى
ومن وحش إلى وحشين وهـي الـناقة الـعجفا
بلادي في كهوف الموت لاتـفـنى ولا تُـشـفى
تـنقر في القبور الخرس عـن مـيلادها الأصفى
وعـن وعـد ربـيعي وراء عـيـونها أغـفى
عـن الـحلم الذي يأتي عن الطيف الذي استخفى
فتمضي من دجى ضاف إلى أدجى... إلى أضفى
بـلادي فـي ديار الغير أو فـي دارهـا لـهفى
وحـتى فـي أراضـيها تـقاسي غـربة المنفى
نـوفـمـبـر 1971م
"كانوا رجالا"
من نحن .. يا ((صرواح)) يا ((ميتم))؟ موتى … ولكن ندّعي … نزعم
ننجرّ … لا نمضي … ولا ننثني لا نحن أيقاظ … ولا نوّم
نغفو بلا نوم ونصحو بلا صحو … فلا نرنو ولا نحلم
كم تضحك الدّنيا وتبكي أسى ونحن لا نبكي ولا نبسم
فلم يعد يضحكنا مضحك ولم تعد آلامنا تؤلم
أضاعت الأفراح ألوانها وفي عروق الحزن جفّ الدم
ماذا ..؟ ألفنا طعم أوجاعنا أوّ لم نعد نشتمّ … أو نطعم
أزقة البترول تمتصنا تبصقنا للريح … أو تهضم
والسيّد المحكوم في داره في دارنا المستحكم الأعظم
بلادنا كانت ، وأبطالنا كانوا رجالا قبل أن يحكموا
يقال : كانوا فهماء الحمى واليوم لا ينوون أن يفهموا
ثاروا صباح القصف لكنهم يوم انتصار الثورة استسلموا
وبعد عام غيروا لونهم وبعد أيّام نسوا من هموا
يا موطني … من ذا تنادي هنا ؟ أسكت … لماذا ..؟ أنت لا تعلم
إنّ طويل العمر لا يرتضي حيا ينادي … أو صدى يلهم
ترون أن أنسى يمانيّني كي يطمئن الفاتح الأغشم
الصمت أنجى … حسن .. ! إنما في نار صمتي (يمن ) مرغم
هذي بلادي ، وهنا إخوتي أسكت … تأدّب … طافر مجرم
لكن لماذا ..؟ ان أهلي بنوا هنا ديارا ، وهنا خيّموا
في كلّ شبر تنجلي ضحوة من خطوهم … أو يزدهي موسم
هذي الحصى من بعض أشلائهم من لحمهم هذي الربى الجثّم
هذا الضحى من وهج أبصارهم ومن رواهم هذه الأنجم
ما زلت أدري أن ذا موطني … لم لا أناديه وعندي فم ؟
ربما لأن قصائد المنافي والأوطان لاتشدني كثيرا لما تحمله من أسى وألم ..

جئتكم بهذه "بعد الحنين"
هل تغفرين لو أنّي أبدي الذي حاولت أخفي ؟
سأقول شيئا تافها يكفي الذي قد كان يكفي
ما عاد يسبقني الحنين إليك أوّ ينجرّ خلفي
ما كان جبارا هواك وإنما قوّاه ضعفى
واليوم لا أبكي نواك ولا إقترابي منك يشفي
قصيدة نازفة ..
تحكي حال : القابعين في عالم نسياننا ..

"ليالي الجائعين "
هذي البيوت الجاثمات إزائي ليل من الحرمان و الإدجاء
من للبيوت الهادمات كأنّها فوق الحياة مقابر الأحياء
تغفو على حلم الرغيف و لم تجد إلاّ خيالا منه في الإغفاء
و تضمّ أشباح الجياع كأنّها سجن يضمّ جوانح السّجناء
و تغيب في الصمت الكئيب كأنّها كهف وراء الكون و الأضواء
خلف الطبيعة و الحياة كأنّها شيء وراء طبائع الأشياء
ترنو إلى الأمل المولّي مثلما يرنو الغريق إلى المغيث النائي
و تلملم الأحلام من صدر الدّجا سردا كأشباح الدجا السوداء
هذي البيوت النائمات على الطوى توم العليل على انتفاض الداء
نامت و نام اللّيل فوق سكونها و تغلّفت بالصمت و الظلماء
و غفت بأحضان السكون و فوقها جثث الدجا منثورة الأشلاء
و تلملمت تحت الظلام كأنّها شيخ ينوء بأثقل الأعباء
أصغى إليها اللّيل لم يسمع بها إلاّ أنين الجوع في الأحشاء
و بكا البنين الجائعين مردّدا في الأمّهات و مسمع الآباء
ودجت ليالي الجائعين و تحتها مهج الجياع قتيلة الأهواء
يا ليل ، من جيران كوخي ؟ من هم مرعى الشقا و فريسة الأرزاء
الجائعون الصابرون على الطوى صبر الربا للريح و الأنوار
الآكلون قلوبهم حقدا على ترف القصور و ثروة البخلاء
الصامتون و في معاني صمتهم دنيا من الضجّات و الضوضاء
و يلي على جيران كوخي إنّهم ألعوبة الإفلاس و الإعياء
ويلي لهم من بؤس محياهم و يا و يلي من الإشفاق بالبؤساء
أنوح للمستضعفين و إنّني أشقى من الأيتام و الضعفاء
و أحسّهم في سدّ روحي في دمي في نبض أعصابي و في أعضائي
فكأنّ جيراني جراح تحتسي ريّ الأسى من أدمعي و دمائي
ناموا على البلوى و أغفي عنهمو عطف القريب ورحمة الرحماء
ما كان أشقاهم و أشقاني بهم و أحسّني بشقائهم و شقائي
.
وللهوى الحظ الأوفر والكلمات الأرق والأجمل ..
"أثيم الهوى "
جريح الإبا صامت لا يعي و في صمته ضجّة الأضلع
و في صدره ندم جائع يلوك الحنايا و لم يشبع
تهدّده صيحة الذكريا ت كما هدّد الشيخ صوت النعي
و يقذفه شبح مفزع إلى شبح موحش مفزع
و يصغي و يصغي فلم يستمع سوى هاتف اللإثم في المسمع
و لم يستمع غير صوت الضمير يناديه من سرّه الموجع
فيشكو إلى من ؟ و ما حوله سوى اللّيل أو وحشة المخدع
كئيب يخوّفه ظلمه فيرتاع من ظلّه الأروع
و في كلّ طيف يرى ذنبه فماذا يقول و ما يدّعي
فيملي على سرّه قائلا أنا مجرم النفس و المطمع
أنا سارق الحبّ وحدي ! أنا خبيث السقا قذر المرتع
هوت إصبعي زهرة حلوة فلوّثت من عطرها إصبعي
توهّمتها حلوة كالحيا ة فكانت أمرّ من المصرع
أنا مجرم الحبّ يا صاحبي فلا تعتذر لي فلم تقنع
و لا ، لا تقل معك الحبّ بل جريمته و الخطايا معي
و مال إلى اللّيل و اللّيل في نهايته و هو لم يهجع
و قد آن للفجر أن يستفيق و ينسلّ من مبسم المطلع
و كيف ينام " أثيم الهوى " و عيناه و السهد في موضع
هنا ضاق بالسهد و الذكريات وحنّ إلى الحلم الممتع
فألقى بجثّته في الفرا ش كسير القوى ذابل المدمع
ترى هل ينام وطيف الفجو ر ورائحة الإثم في المضجع ؟
و في قلبه ندم يستقي دماه و في حزنه يرتعي
و في مقلتيه دموع و في حشاه نجيب بلا أدمع
فماذا يلاقي و ماذا يحسّ و قد دفن الحبّ في البلقع
و عاد و قد أودع السرّ من حناياه في شرّ مستودع
فماذا يعاني ؟ ألا إنّه جريح الإبا صامت لا يعي
.
وهذه رائعة << بالنسبة لي !
أرددها دوما ..
"حين يشقى الناس "
أنت ترثي كلّ محزون و لم تلق من يرثيك في الخطب الألدّ
و أنا يا قلب أبكي إن بكت مقلة كانت بقربي أو ببعدي
و أنا أكدى الورى عيشا على أنّني أبكي لبلوى كلّ مكد
حين يشقى الناس أشقى معهم و أنا أشقى كما يشقون وحدي !
و أنا أخلو بنفسي و الورى كلّهم عندي و مالي أيّ عندي
لا و لا لي في الدّنا مثوى و لا مسعد إلاّ دجا اللّيل و سهدي
لم أسر من غربة إلاّ إلى غربة أنّكى و تعذيب أشدّ
متعب وركبي قدمي و الأسى زادي و حمّى البرد بردي
و الدجا الشاتي فراشي وردا جسمي المحموم أعصابي و جلدي .
.


البرق غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 16 - 04 - 2008, 19:37   رقم المشاركة : [3]
..:: خدمة العملاء ::..
الصورة الرمزية البرق
 

البرق is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى البرق إرسال رسالة عبر مراسل Yahoo إلى البرق
افتراضي

البردوني شاعر عظيم ومجدد ومبدع
أتعلمون ماسبب اسم يوزري هو من بيت للبردوني قرأته
وكنت أردد هذا البيت دائماً من قصيدة لص في منزل شاعر
( رائعة جداً )
وهذه هي أبياتها
شكرا ، دخلت بلا إثاره وبلا طفور ،، أو غراره
لما أغرت خنقت في رجليك ضوضاء الإغاره
لم تسلب الطين السكون ، ولم ترع نوم الحجاره
كالطيف ، جئت بلا خطى وبلا صدى ، وبلا إشاره
أرأيت هذا البيت قزما، لا يكلفك المهاره ؟
فأتيته ، ترجو الغنائم ، وهو أعرى من مغاره
***
ماذا وجدت سوى الفراغ هرّة تثتم فاره
يطفي التوقد باللظى ينسى المرارة ، بالمراره
لم يبق في كوب الأسى شيئا حساه إلى القراره
***
ماذا ؟ أتلقى عند صعلوك البيوت ، غنى الإماره
يا لصّ ، عفوا إن رجعت بدون ريح ، أو خساره
لم تلق إلا خيبة ونسيت صندوق السجاره
شكرا ، أتنوى ان تشرفنا ، بتكرار الزياره! ؟
ألا ترون أني استحق هذا اليوزر الرائع بعد ذكره على لسان أحد عمالقة الشعراء
في القرن العشرين
وهذا المقال كتب في صحيفة الحرية التونسية
بعد وفاة البردوني بشهرين
مات عبدالله البردوني
عبدالسلام لصيلع
في أقل من شهر فقدت الأمة العربية شاعرين كبيرين، من أكبر شعرائها
وأكثرهم شهرة وتميزاً وخصوصية.. ففي الـ(3) من أغسطس توفي
في دمشق الشاعر العربي العراقي عبدالوهاب البياتي، وفي الـ(30)
من نفس الشهر توفي في صنعاء الشاعر العربي اليمني عبدالله البردوني
شاعر اليمن الأول بغزارة إنتاجه الشعري والنثري.
والحقيقة أن الشاعر الفقيد عبدالله البردوني- رحمه الله وغفر له- كان علماً
من أعلام اليمن الحديث ومقصداً لكل من يزور اليمن من المثقفين العرب
ومثقفي العالم، وأدبائه وشعرائه وصحافيه.. فليس من المعقول أن يزور
الإنسان اليمن ولا يزور عبدالله البردوني في منزله.. إن البردوني مثل
الشاعر الدكتور عبدالعزيز المقالح من الأشخاص الذين لا بد من الاتصال
بهم في اليمن والحديث معهم. ففي سنة 1984م أقيم في صنعاء أول أسبوع
ثقافي تونسي، وكنت من بين الوفد الصحفي الذي واكب فعاليات ذلك الأسبوع
الثقافي التونسي، وكنا ثلاثة اتفقنا على زيارة عبدالله البردوني في منزل الصديق
المرحوم صالح جغمان والصديق عبدالجليل المسعودي.. وكاتب هذه السطور..
عندما دخلنا عليه نهض- رغم فقدانه البصر- ورحب بنا ترحيباً حاراً كأنه يعرفنا
قبل ذلك ورغم ظروفه الصعبة كان كريماً معنا، وكان في غاية الفرح والسعادة
بنا لأننا كنا ضيوفه.. وكان في غاية التواضع والبساطة..وكان دائم البشاشة
والابتسامة.. وكان صاحب نكتة وفكاهة.. أجرينا معه الحوارات الصحفية..
والتقطنا الصور التذكارية.. وأهدى إلى كل واحد منا مجموعة كبيرة من دواوينه
ومؤلفاته الأخرى.. وبعد ذلك تجدد لقائي بالشاعر عبدالله البردوني في تونس
عندما جاء ضمن وفد الأسبوع الثقافي اليمني بتونس.
وعاد البردوني إلى تونس في مؤتمر اتحاد الكتاب والأدباء العرب عندما كان
مقره هنا.. وما زلت احتفظ بتسجيل صوتي لحوار طويل معه لم ينشر إلى الآن،
لقد خسرته اليمن والأمة العربية، ومن يموت لا يعوض.
قاهر الظلام والجهل.
يعجبني في عبدالله البردوني أنه قاهر الظلام والجهل والفقر.. لم يمنعه العمى
من أن يكون من أكبر الشعراء والباحثين العرب في القرن العشرين.
كلمات من ذهب:
يقول عبدالله البردوني: "الإبداع هو الذي ينقلك إلى عالمه وتشعر أنك انقطعت
عن عالمك كذلك هو تجربة جديدة لرؤية جديدة تعبيراً وتفكيراً. وأظن أن التفكير
هنا أهم من التعبير والرؤية أهم من الشكل، لأن الإبداع قد يأتي في القليل،
قد يأتي في أي مكان من الأمكنة، فالإبداع هو الدهشة كظاهرة كونية غير
مألوفة، ومفاجئة.
تقرأ القصيدة كأنك أمام مفاجأة لم تتوقعها ولم تتوهم احتمالها.
يا وجهها (للبردوني)
يا وجهها في الشاطئ الثاني
أسرجت للإبحار أحزاني
أشرعت يا أمواج أوردتي
وأتيت وحدي فوق أشجاني
ولم أتيت؟ أتيت ملتمساً
فرحي وأشعاري وإنساني؟
ويقول البردوني:
الدهر أدوال.. أتدري متى
سيضعف الأقوى ليقوى الضعيفْ؟
أنت الذي رددت: بعد الشتا
صيف، ولكن كيف أشتى المصيفْ؟!
الآن، قل لي أنت: ماذا يلي
هذا؟ ألاتدري بأني رصيفْ؟!


البرق غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 16 - 04 - 2008, 19:38   رقم المشاركة : [4]
..:: خدمة العملاء ::..
الصورة الرمزية البرق
 

البرق is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى البرق إرسال رسالة عبر مراسل Yahoo إلى البرق
افتراضي

وكانت النساء بشكل خاص يقمن بجر الثور أو البقرة إليهن من أجل أن أمشي،
وكان خالي حسين علي فقيه ـ وهو شاعرـ يضيق مني، ويقول لي: (احتكم... احتكم)
وهذه الكلمة يقولها بعض الكهول للكهل إذا أصيب بالعمى، أما أنا، فكيف (أحتكم ؟)
أنا كنت غير معترف بالعمى، وألعب حينما يلعبون، وكان الدم لا يجف من بنان قدمي،
أكدف هنا وأضرب رأسي هناك، وكانت أمي تربط أصابعي بخيط أحمر (كحرز)
يقيني ضربة حرّاء، كما تعتقد، والسبب أن الأحجار الناتئة تقع عليها رأس الأصبع
فتدمى، كما أن ضرب رأسي يكون في جدار قام حديثاً أو بني ليلاً وضحى،
وما مررت عليه سابقاً.
وكان يسرني إذا ما أنزلني أبي إلى (المعلامة) لأنه كان يمر بطريق خلفية سهلة،
فينزل من حجر أملس، ويطلع إلى حجر وينزل من ثان، وإذا بنا نشم رائحة الحارة
حيث نكون في باب (المعلامة).
وقد ظللت أفكر كيف سأعرف هذه الطرق، وهممت مرة بعد مرة.
• إذن، استقيت معارفك الأولى، بعد العمى، بواسطة (المعلامة) ؟
- نعم، بواسطة (المعلامة) قرأت ما يسمى بجزء البياض، وهذا الجزء هو قراءة
الحروف وكتابتها في لوح على مداد أبيض وقلم (مبري).
وبالنسبة لي كنت أحفظ الحروف دون كتابتها، وكنا نقرأ الحروف قراءة إنشادية،
فيها شيء من الإطراب، تشبه الإنشاد الذي يصاحب الجنازة من قبل الأطفال،
فهؤلاء في اليمن إذا تقدموا الجنازة يحوّلون الإنشاد الجنائزي إلى موسيقى فريدة.
وعندما انتقلت إلى المدينة (ذمار) وأنهيت فيها حفظ القرآن تجويداً، انتقلت - أيضاً -
من (المعلامة) إلى (المدرسة الشمسية)، وهي جامع أسسه أو بناه شمس الدين
بن شرف الدين الذي حارب الأتراك في القرن العاشر، وكان مرشّحاً للإمامة،
لكنه أصيب بطلقة وحجرة، فكسرت رجله ثم جُبرت، فصارت فيه عاهة العرج
مما حرمه من الخلافة التي تشترط في الإمام أن يكون سليم الحواس والأطراف.
عندما دخلت هذه المدرسة، شعرت أني بدأت غربة جديدة، فقد كنت في (المعلامة)
أعلّم الأطفال المتخلفين في الحفظ وأكرر لهم وأكرر، وزيادة البنات، فأحصل
بالمقابل على قطع من الخبز تكفيني يومي، إضافة إلى أن اثنين من الأساتذة
قررا لي (بقشتين) في كل يوم.
• هل هذا يعني أن عائلتك كانت فقيرة لم تستطع أن تعيلك في المدرسة الشمسية ؟
-نعم فقيرة، وكانت في (البردون).. ولم تستطع أن تعيلني، طبعاً، لكنها كانت تعيلني
عندما كنت عندهم، ولكن كنت أحسّ أن إعالتي شيء ثقيل، وسمعت كلمات رديئة
عندما عميت، قالوا: أعمى لا غرّام ولا رجّام، أي لا يقاتل مع القرية (رجّام) ولا
غرّام يعطي نصيبا من النقود إذا كانت عليهم غرامة.
وأذكر أنني ظللت في (المدرسة الشعبية) شهراً في جوع قاتل.
وخرجت مرة وفوجئت في (معلامة) هناك، فيها واحد اسمه سيدنا أحمد دادة،
فدعاني وقال لي: كم ستبقى تقرأ (تتعلم) كل يوم ؟ فقلت: يا سيدنا ما نفعل ؟
قال: هيا لتعمل ساعتين أو ثلاث ساعات ؟ تعلم هؤلاء
(الطبول عيال الفراعنة الذماريين)
وكان بذيئاً لا يتكلم إلا شتماً. فعهد إليّ بخمس بنات أعلمهن في الصباح.
محامي المطلقات
• على الرغم من أنك نشأت في بيئة ثقافية تقليدية - خاصة في مجالي الشريعة
والأدب - قيل إنك في عملك الأول كمحام (وكيل شريعة) في الأربعينيات اتخذت
اتجاهاً مغايراً، وهو الدفاع عن النساء المطلقات وقضايا المرأة عامة،
كيف استطعت الخروج من صرامة الفقه وقيوده ؟
- المسائل الفقهية من يفقهها جيداً لا يجدها قيوداً، فيقدر أن يتعامل معها في مجتمع
يبني عليها تفكيره وبيئته، وليس في الأمر أي صعوبة.
• إذن هناك منطلقات فقهية جعلتك تتجه إلى ما يمكن أن نسمّيه مناصرة المرأة
أثناء عملك كمحام (وكيل شريعة) ؟
- في الحقيقة لا أدّعي أن علاقتي بالمرأة كانت تحرّراً أو مناصرة بل لأنه لم يوكلني أحد غيرهن.
فقد كنت أبدو بقميص مهلهل، نعم كان هناك رجال يوكلونني، لكن أول مَن وكلني
كن نساء، وبالذات المطلقات والوارثات أو مغتصَبات الإرث من الإخوة، ففي هذه
الناحية عندما يموت الغني يتعاون الأولاد في الاحتيال على البنات حتى لا يخرج
مال أبيهم إلى زوج الأخت أو البنت، كما وُكّلت أيضاً في قضايا الزنا وغيرها.
في هذه الفترة تحسنت أحوالي المعيشية باستثناء فترات العطل، كنت فيها أقتنع بالقليل.
• نعود إلى تجربتك في الكتابة، فمن خلال مقالاتك والاستماع إلى أحاديثك نجد
أن فقد البصر لم يؤثر سلبياً في تحصيلك المعرفي، وعلى العكس نجد معارفك
متسعة في أكثر الجوانب القديمة والحديثة، كيف استطعت تجاوز إشكالية فقد
البصر كونه فقداً لحاسة مهمة في التوصيل المعرفي ؟
- أنا أقرأ كل ما وجدت ولا أستطيع أن أرتّب على حسب ظهور كل كتاب أو كل
رواية، إنما استطعت أن أتابع نجيب محفوظ من رواياته التاريخية الثلاث إلى
آخر رواية وهي (ابن فطوطة).
وأستطيع أن أقول بأنني تابعت كتب طه حسين بعد خروجها بمدة قصيرة،
ولي أصدقاء وصديقات في سوريا ومصر ما حالوا بيني وبين كتاب، حتى
أن أحدهم لم يقبل مني أن أعطيه ثمن أو مقابل ما دفع.
• كم ساعة تقرأ - أو يقرأ لك - في اليوم ؟
- كنت أقرأ في الخمسينيات ثماني ساعات من التاسعة إلى الواحدة ظهراً،
وبعدها من الخامسة إلى الثامنة أو التاسعة.
وفي أوقات أقرأ أقل، أما أكثر فلا، وفي أوقات لا أقرأ أي شيء، أستمع إلى
الراديو أو استرجع ما قرأت وأرتّب ذهنياً، فعندي - مثلاً - فكرة عن كل كتاب
فيه شاهد على ما أقول أو دليل.
• ألا تقع في أخطاء أثناء ترتيبك ذهنياً للشواهد والأرقام ؟
- قد أقع في أخطاء في الأسماء وفي أرقام القرون الزمنية، وهذا يحدث لأنني
أملي ولا أرى كيف كتب، فأظن أن الإملاء يحرمني رؤية الاسم فأذكره، ولكني
لا أرى أن هذه الأخطاء موضوعية وإنما هي هامشية.
• إذا كنت قد وجدت بعض المخارج القضائية في مجال الفقه التقليدي لبعض
القضايا الاجتماعية أثناء عملك وكيل شريعة (محام) فماذا بالنسبة لمجال
الشعر، من أين استمددت الشجاعة في نقدك ؟
- في مجال الشعر كانت هناك دوافع زمنية ودوافع حرمانية ودوافع وطنية،
في الحقيقة، أما الشريعة فإنها تأمر بطاعة الله ورسوله وأولي الأمر.
• بعد رحيل الشاعر محمد مهدي الجواهري، توصف الآن بأنك آخر الشعراء
الكلاسيكيين الكبار، أو أنك الشاعر المتميز الوحيد في كتابة القصيدة العمودية،
هل هذا يعني أن القصيدة العمودية ستتحول إلى إرث جمالي في المستقبل،
خاصة ونحن نلاحظ اجترار شعراء لتجارب سابقيهم ودون أي إضافات جمالية ؟
- في الحقيقة، الأحكام الأدبية مصابة بأمرين، الأمر الأول: السباق على الأحدث
والأجد، والأمر الثاني: مجاراة العلم الذي ينتج كل يوم من الألعاب عشرة أنواع،
كلباً وقطّاً، دجاجة وفأراً، وكذا المخبز الآلي الذي ينتج مليون رغيف.
الشعر غير ذلك، أنا من عام 1950م إلى الآن واقف على مبدأ أدبي واحد هو
أن المهم هو الإجادة: في شكل البيت، في شكل التفاعيل، في شكل العمودي المتطور.
لأن الشعر العمودي ظل قائماً ولايزال، لكنه كان قائماً عند مَن أجادوه، مثل محمد
مهدي الجواهري في العراق، ومحمد المجذوب في السودان، وعمر أبي ريشة
وبدوي الجبل في سوريا.
وفي سوريا بالذات، ظل الشعر العمودي هو المسيطر إلى مطلع السبعينيات
ولم يلتفت السوريون، حتى المعاصرون جداً، إلى الشعر الجديد.
الشعر العمودي كان قوياً جداً، وكان يؤجج مظاهرات، كان الجواهري
يخرج مظاهرات تظل ساعات في بغداد، كما حدث يوم رثى أخاه جعفر قائلاً:
بأن جراح الضحايا فم أتعلم أم أنت لا تعلم
وكان الجواهري جماهيرياً أحسن من أبي ريشة، لأن الجواهري ذا صوت مبحوح
غير مشروخ مثل عمر أبي ريشة، والجواهري شيعي وللشيعة فلسفة فيثاغورية
والفلسفة الفيثاغورية هي أرومة الوجودية التي بدأت بشكل إيماني عند كيركيجورد
وسان بيرز، وحييت بعد ما ظهر سارتر وسيمون دي بوفوار وأصبحت الوجودية
من مطلع الأربعينيات إلى الآن أقوى مدرسة أدبية.


البرق غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 16 - 04 - 2008, 19:39   رقم المشاركة : [5]
..:: خدمة العملاء ::..
الصورة الرمزية البرق
 

البرق is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى البرق إرسال رسالة عبر مراسل Yahoo إلى البرق
افتراضي

قصائد رديئة
• لكن هناك بعض النقاد وبعض الشعراء الحداثيين يقولون إن ازدهار القصيدة
العمودية ارتبط بفترة المد الثوري، وإن هذه القصيدة كانت عبارة عن صوت
اعلامي مباشر للخطاب السياسي.
ويطرح أن الخطاب السياسي صارت له منابره أو قنواته الخاصة المعبّرة عنه،
وبالتالي أدى هذا إلى تجدد الأشكال الفنية مع تحوّلات الأزمنة، فيلاحظ عالمياً
أن الشعر تراجعت مكانته عند الجمهور الذي صار يتجه نحو الصورة بتقنياتها
السينمائية والتلفزيونية إضافة إلى الرواية، وأصبح هذا العصر يوصف بعصر
الصورة وعصر الرواية، فكيف تعتقد أنت أن القصيدة العمودية مازالت صامدة
رغم التحوّلات ؟
- القصيدة العمودية الرديئة تبقى رديئة، مثل قصائد أحمد رامي، وبعض
قصائد أحمد الصافي النجفي، وبعض أبيات للجواهري، فمثلاً الجواهري يقول:
للخائنين الخادمين أجانبا أرأيت مملكة تبيع شهيدها
أغري الوليد بشتمهم والحاجبا أنا حتفهم ألج البيوت عليهم
فعندما يقول (أنا حتفهم ألج البيوت عليهم)، بلغ غاية القوة التعبيرية والتحدي،
لكنه حين يقول (أغري الوليد بشتمهم والحاجب) فإن المسألة سهلة ليس بها اقتحام.
فكان الشطر الثاني إضعافا للأول، وأوجد في القصيدة تهاوناً، لكن القصيدة الجميلة
موجودة في العمودي وفي العمودي المتطور، لأن شعر الخمسينيات ليس كله جديداً
وأكثره عمودي متطور، فمثلاً، بدر شاكر السياب أبرز دواوينه في الفترة التي بدأت
من أول الخمسينيات إلى 1958م (أنشودة المطر) 20% منه قصائد عمودية.
وكان السياب منجذباً لشوقي، فمثلاً له قصيدة (الأسلحة والأطفال) يقول فيها:

عليها سناً من غد يلمح ؟

عصافير، أم صبية تمرح

وشوقي يقول:

وأحبب بأيّامه أحبب

ألا حبذا صحبة المكتب

عنان الحياة عليهم صبي

ويا حبذا صبية يمرحون

على الأم يلقونها والأب

خليون من تبعات الحياة

حقائب فيها الغد المختبى

وتلك الأواعي بأيمانهم

والحقيقة أنني أرى قصيدة شوقي هذه جميلة وقصيدة السياب أجمل.

لكن قصيدة من العمودي المجيد ليست مثل بيئة الجديد، لأن الجديد هو تقطيع
دون أن يخرج ذلك التقطيع نظرية في المعنى.


وقد مر الشعر بخمسة أطوار: العمودي السنتيمتري، العمودي المتساهل،
العمودي المنوّع القوافي الذي هو ليس على قافية واحدة، وبعده العمودي
المتطوّر، ثم الجديد.



وقد قال عبدالقادر القط في عام 1965م، وهو يستقبل ديوان محمد إبراهيم
أبو سنة (قلبي وغازلة الثوب الأزرق) إننا كنا نظن أن هذا الشعر الذي فتح
الخمسينيات سوف يأتي في الستينيات بتجارب أغنى وبحركة أفضل وبتطور
لغوي أجود وليس أجد فقط، فلا قيل أهلاً للجدة بلا إجادة.

أما المسألة الثانية في ذكر الرواية والمسرح والفن والتشكيل فهذه
فنون أخرى لها قواعدها.

والبشرية تحتاج إلى الفنون كلها وليس إلى الرواية فقط مثلاً.


ولا يمكن أن توجد الروايات الجيدة إلا في بلد فيه شعر جيد وأجود، فنقرأ - مثلاً -
ديستوفسكي، تولستوي، وأنطون تشيكوف الذين كانوا من أمهر الرواة، فمن كان
في عصرهم من الشعراء ؟ كان هناك مايكوفسكي وبوشكين أشعر شعراء العالم.

ولن تجد الرواية مزدهرة والقصة جيدة إلا وكل الفنون جيدة لأن التعاون الثقافي
من أسرار تطور الشعوب.

ولا نقول إن هذه التجارب الجديدة معيبة إلا الآن، لأنهم بدأوا الآن يقولون:
ما بعد الحداثة.. ما بعد الحداثة ؟ الشيخوخة والموت.

فليس بعد الحداثة والأحدث إلا الموت.

• باستثناء القلة من كُتّاب القصيدة العمودية، وأنت أبرز هذه القلة، يلاحظ المتتبع
أن أكثر كتاب القصيدة العمودية ينطلقون من رؤية ماضوية لمجمل قضايا العصر،
فنجد أنهم لا يعادون الأشكال الأدبية الحديثة فحسب، بل يعادون أيضاً كل ما هو
حديث اجتماعياً.

• هل هذا الانطلاق امتداد لما كان يعلنه المحافظون في الخمسينيات والستينيات
من أن كُتّاب الشعر الحر عملاء للثقافة الغربية، أم أنه ناتج عن عوامل ثقافية
أخرى ؟

- القضية لا تخلو من وجود الكل، وقد كان هناك جانب سياسي، فصالح جودت
وأحمد رامي وعزيز أباظة كانوا يسمّون صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي وأمل دنقل ونجيب سرور وأحمد عبدالمعطي بالقرمزيين:

وشعرنا ساطع أخضر

وأشعارهم مثلما القرمزي

يقولوا أواناً وقد يقصروا لنا وزننا ولهم وزنهم

يطول مع الزيف أو يقصر

وشعرهم كضمير اليهود

هكذا يقول صالح جودت وليس في شعره نَفَس الشعر، لكن الشاعر العمودي
المجيد هو محمود حسن إسماعيل وعبدالمنعم السويسي.

وفي مصر وجوه مبدعة لا يتاح لها الظهور، لأن الذي لا يظهر هناك في الإعلام
لا يمكن أن يظهر مثلما يظهر في اليمن أو في العراق.

وكانت القصيدة العمودية في العراق هي الأغلب في كل أطوارها وظل الجدد مقلين،
فنازك الملائكة ليست جديدة، هي عمودية متطورة، اقرأ لها أي ديوان ستجدها هكذا،
لكنها كانت متشبّعة بالرومانتيكية، لأن الرومانتيكية تعبر عن الحزن وضياع الإنسان
وهذه كلها في أصول الإنسان وفي حياة بني البشر.

• بالنسبة إليك كيف جمعت بين كتابة هذا الشكل المتهم أصحابه بالرجعية،
وبين مواقفك السياسية الملتزمة بقضايا العصر الحديثة ؟

- قضايا العصر الحديثة سياسة ضرورة، لأنها عدالة أمر بها الله ويطلبها الشعب،
لأنها حرية، وهي عن حق الشعب في أن يعبّر بصوت عال وأن يفكّر بصوت صائت
وأن يكتب بأمانة، لا رقيب عليه إلا ضميره، وألا ينال عقوبات.

وأنا الآن معادى من أكثر من رئيس حكومة لأنني لم أمدح، وقد دعوني المرة
الأولى فسافرت، ودعوني المرة الثانية فسافرت، فقالوا: لتقابل الرئيس (فلان)
والشيخ (فلان)، فقلت: والله أنا مواطن.. أصغر مواطن من اليمن، ومن مدينة
أفلاطون فمالي صفة تتيح لي المقابلة، فهي لا تدل إلاّ على الاستجداء، وأنا ما
جئت مستجدياً بل ملبياً دعوة.

• ماذا عن الجوائز الأدبية التي اتجه إلى منحها العديد من الشعراء رجال الأعمال، ومنها جائزة سلطان العويس التي حصلت عليها، هل تعتقد أنها مهمة على المستوى الشعري ؟

- لا، لا أظن أن الجوائز مهمة، يتوقف عليها تطور الشعر أو ركوده، لكن بالنسبة
للجائزة التي حصلت عليها، فهي نفحة إنسانية أو مبادرة كريمة لا يرتجى منها
جزاء، لأن معطيها قد مات، فهي أبرأ وأرقى جائزة، وأنا لم أنل غيرها سوى
(الأصوات الإنسانية) وقدرها سبعون فرنكاً فرنسياً.

اليسار اليسير

• صار الواقع العربي يكرّس واقع القطرية، بما تحمله من تفكك للعرب مما
أصبحت معه مقولات العروبة والقومية ضرباً من وهم، كيف ترى مستقبل العرب
في ضوء هذا الواقع وأنت أحد المهتمين بقضاياه الفكرية ؟

- في أشد تفكك، وفي خروج سافر عن القومية العربية وعن أمة العرب،
وعن تجربة الوحدة وعن عمل التوحيد، وقد أصبحت الفنون الإعلامية شعبية،
وكل شيء فيها يتعلق برئيس الدولة أو رئيس الجمهورية وكأنه فرعون ذو الأوتاد.

هناك تجزئة وأنا أتوقع أن هذه التجزئة سوف تتحوّل إلى أسلحة إسرائيلية
ضد الشعوب التي لها مواقف، وأظن أن سوريا ستضرب من إسرائيل بتسهيل
من دول عربية.

• يقول البعض إنه لا يوجد شاعر في الخمسينيات والستينيات إلا وقد مرّ عبر
الأحزاب الشيوعية والقومية، ما الأمر بالنسبة إليك وأنت أحد كتّاب القصيدة
السياسية المدوية ؟

- نعم، لكنها قصيدة سياسية ليست معبّرة عن وجهة نظر حزب ما أو جماعة
بعينها، وهي مقيدة بالمكان اليمني وبالحالة اليمنية وبالتاريخ اليمني.

حتى الأماكن كنت أرى فيها علامة، والشعر علامة على المكان والزمان.

• إذن أنت لم تكن حزبياً في يوم من الأيام ؟

- لا، أنا أرى أن لهذا الحزب أو ذاك موقفا يستحق أن يُذكر بما هو عليه،
ولكن ليس بالارتماء أو النظر في الجزاء.

• هل يمكن أن نقول إنك كنت قريباً إلى اليسار ؟

- نعم، اليسار على الإطلاق، نعم، لكن ليس من يسار اليسار، بل من اليسار اليسير.

• تنشر منذ فترة سيرتك الذاتية في أجزاء صحفية، نجد فيها أشياء لافتة، يمكن
القول بأنها تواكب الاتجاه الحديث في كتابة السيرة الذاتية عند العرب باهتمامها
بالجوانب المثيرة خاصة الجنس، كما هو الحال عند محمد شكري أو رءوف
مسعد، كيف ترى الاتجاه إلى كتابة السيرة عند العرب ؟

- العرب ليس لهم تجربة في كتابة السيرة كما لهم تجربة في كتابة الرسالة
وتأليف التاريخ وكتابة المقامة، وقد ابتدع العرب فن المقامة، أما السير
فاقتصرت على الأبطال في الماضي: سيرة سيف بن ذي يزن، سيرة عنترة،
سيرة الأميرة ذات الهمة.

وهذه السير في الحقيقة لها أشكال شتى جميلة من الرواية، ولكن ليس له
ا كل شروط الرواية المعاصرة.

فمثلاً محمد شكري كتب روايتين رائعتين: (الخبز الحافي) و (الصعاليك
الأولى من أجود الروايات عن حياة البيوت الفقيرة، والثانية أرّخ فيها للشعب
النائم في الأرصفة.

وفي الحقيقة هناك أشياء في السيرة الذاتية لا حاجة إليها مثل اعترافات روسو
وروايات فرنسوا ساجان.

وأنا أظن بأنني كتبت سيرتي على طريقة طه حسين في (الأيام) وقد نشرت أكثر
من خمسين حلقة وربما يصبح هذا العمل أكبر كتاب لي لأنني مازلت أكتبه.

مجلة العربي - نوفمبر2000


البرق غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 16 - 04 - 2008, 19:39   رقم المشاركة : [6]
..:: خدمة العملاء ::..
الصورة الرمزية البرق
 

البرق is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى البرق إرسال رسالة عبر مراسل Yahoo إلى البرق
افتراضي

السخرية في شعر البردوني

د. وليد مشوح


السخرية هي الحدود الأربعة لجغرافية شعر البردوني، فما وصف إلا وسخر، وما تغزل إلاَّ وسخر، وما هجا إلا وسخر، وما مدح إلا وسخر، وما تعرض لموقف وطني أو قومي إلا وسخر، إذن فالبردوني قهقهة عالية عندما يحس بوجوده المحيط، وتفجع مؤلم عندما يتبصر في كونه الخاص، أي هو بكاء يشبه الضحك، أو ضحك يتماهى مع البكاء.
ماذاق عبدالله البردوني حناناً، ولا رأى جمالا، ولم يهنأ بمال أو عيال، ولا قرأ في وجوه أصدقائه وخلانه مافي دواخلهم، لذا عاش غربتين: غربة الروح وغربة الفرح، بينما ظل يكابد محابس عدة، إذا ابتدأت بالفقر وانتهت بالعمى.
وهكذا اعتمد شعره" عكازة" يتلمس بها طريق الحياة، وسخريته" مذبة" يذب بها ظلامتين: ظلامة الذات، وظلامة الآخر، وكثيراً ما نجد إحساساته تلك في قصائد جاءت كتصوير انطباعي لصمت الخارج وظلام الداخل:
ياحياتي وياحياتي إلى كم
احتسي من يديك صابا وعلقم
وإلى كم أموت فيك وأحيا
أين مني القضا الأخير المحتم
أسلميني إلى الممات فإني
أجد الموت منك أحنى وأرحم
وإذا العيش كان ذلاً وتعذ
يباً: فإن الممات أنجى وأعصم
ما حياتي إلا طريق في الاشـْ
واك: وأمشي بها على الجرح والدم
وكأني أدوس قلبي على النا
ر، وأمشي على الأنين المضرَّم
لم أفت مأتماً من العمر الا
وأُلاقي بعد بعده ألف مأتم
وحياة الشقا على الشاعر الحسا
س، أدهى من الجحيم وأدهم

إلى أن يقول:
أيها ذي الحياة وما أنت إلا
أمل في جوانح اليأس مبهم
غرة تضحك العبوس وتبكي
فرحاً هائناً، وتشقي منعَّم
ياحياتي، وما معنى حياتي وما معــ
نى وجودي فيها لأشقى وأُظلم
أنا فيها مسافرٌ زاديَ الأحلا
م والشعر والخيال المجسم
وشرابي وهمي، وآهي أغاريـ
دي، ونوري عمى الظلام المطلسم
لم أجد ما أريد حتى الخطايا
أحـرامٌ علـي حتى جهنـم
كل شيء أرومه لم أنله
ليتني لم أُرد، ولا كنت أفهم
أنا أحيا مع الحياة ولكن
عمري ميت الأماني محطم .



والقصيدة بحد ذاتها تقرير نفسي يفضح دخيله الشاعر وإحساسه المريد تجاه
الحياة التي يعيشها، وهي في الوقت نفسه صرخة احتجاج حادة تعبر عن معاناته
على الاصعدة كافة.. وهو يعترف بذلك قائلا" وكان حادث العمى مأتماً صاخباً
في بيوت الأسرة لأن ريفه يعتد بالرجل السليم من العاهات، فرجاله رجال نزاع
وخصام فيما بينهم، فكل قبيلة محتاجة إلى رجل القراع والصراع الذي يقود
الغارة ويصد المغير.
أما إذا عنَّ على بال أحدنا السؤال القائل: لماذا جنح البردوني في شعره
صوب السخرية المريرة، وطفحت موضوعاته الشعرية بالهجاء الخشن
والجارح والذي يصل على الأغلب إلى حدود التشهير؟
إننا نرى في ذلك سببين: الأول نابع من تركيبه النفسي الذي تكون في بدايات
وعيه الحياتي، إذ ظل يعاني من مرض الجدري سنتين فَقَدَ بعدهما نظره،
ورواء بشرته إذْ ترك له المرض -ذاك- ندوباً في بشرة وجهه، وعلى صفحة
روحه، كما ترك ظلاماً أبدياً يحيط بحياته، لذا جنح إلى المشاكسة والعدوانية
نتيجة لفرط الإحساس تجاه الحياة ومن عليها، وقد أكدت الدراسات النفسية
على الطبيعة العدوانية لدى أصحاب الحاجات المستديمة..
وخاصة أولئك الذين فقدوا نعمة البصر.
أما السبب الثاني فنابع من تأسيسه الثقافي عموما، والشعري على وجه
الخصوص، فالشاعر كان يبحث في خبايا الشعر العربي الموروث عن الفكر
السكِّين، والصورة المقصلة، والخيال الإهانة ليشبع نزوعه في تحدي المحيط،
كذا كانت اهتمامات، البردوني الشعرية، البحث عن الشاعر الهجَّاء، والقصيدة الهاجية، جمعها وخزنها في ذاكرته، ثم أعاد صياغتها، وأعطاها خصوصيته،
فانماز بذلك، وبرع في رسم الصورة الكاريكاتورية داخل إطاره الشعري البردوني.
وبدأ يقرض الشعر وهو في الثالثة عشرة من عمره، وأكثر هذا الشعر شكوى
من الزمن، وتأوه من ضيق الحال، وفي هذا الشعر نزعات هجائية تكونت من
قراءة الهجائين، ومن سخط الشاعر على المترفين الغُلُف، فقد كان يتعزى
بقراءة الهجو ونظمه، وهذا بدافع الحرمان الذي رافقه شوطاً طويلاً، فبكي منه،
وأبكى، وكان يظهر في هذا الانتاج طابع التشاؤم والمرارة..
هي ذي سخرية البردوني ومراميها ودوافعها وغاياتها، فهي وليدة بؤس وحرمان،
لا وليدة ترف، ولا هي مجرد ظاهرة تجلت في شعره بعفوية كاملة.
السخرية وصورها وغائياتها: قراءة سريعة في نماذج من أشعار البردوني لم تكن
سخرية البردوني كما أسلفنا مجرد ظاهرة بقدر كونها إرادة فنان مبدع طامع
بتحطيم المألوف الصوري واللغوي والخيالي، وصولاً إلى تغيير السائد وإدانة
الراهن المعيش، لذا تنوعت الصورة الساخرة، وتعددت غاياتها ومراميها،
فتحولت إلى سمة وسمت في شعر هذا الشاعر الفذ. لقد تصاعد شعوره بالمسؤولية
الاجتماعية حتى كاد أن يصل إلى سيادة الأنا المبدعة لتكون محور كونه الشعري.. وهكذا فرط باللغة حيناً، وبالصورة حيناً، وبالخيال، فضخَّم الواقع، وعبث
بالموروث التقليدي ليضحك الآخر عبر بالموروث التقليدي ليضحك الآخر
عبر مرثية تحمل مفارقاتها بذاتها.
سخر مهاراته، واستغل موهبته، فاستعمل المذاهب كلها، وعبر المدارس كلها،
ليحقق الغائية الجوهرية من رسم الصورة الشعرية النافرة، ولو اضطر أحيانا
إلى المتصور المنفر.
تنقل البردوني بين المدارس، فمن الكلاسيكية إلى السوريالية إلى الكلاسيكية
الجديدة إلى الرومانتيكية وكان يطيل المكوث في غرفاتها.
ومن القديم إلى الجديد صنع تاريخا جديدا للقصيدة العربية إذْ حافظ على طرازها
وجدد في تأثيثها الداخلي، فهو رغم محافظته على الأسلوب البيتي في القصدة،
شاعر مجدد ليس في محتويات قصائده فحسب، بل في بناء هذه القصائد القائمة
على تحطيم العلاقات اللغوية التقليدية، وابتكار جمل وصيغ شعرية نامية صحيح
أن إيقاعه كلاسيكي محافظ، لكن صوره وتعابيره حديثه تقفز، في أكثر من قصيدة
وبخاصة في السنوات الأخيرة إلى نوع من السوريالية، لتصبح فيه الصورة أقرب
ما تكون إلى ما يسمى باللامعقول(4)
الحيرة تفترس الشاعر فهو ينوس بين الغناء والأنين، بين الضحك والبكاء يحاكم
الأشياء بصورة رومانسية تشف عن نفس قلقة معذبة، وروح دائبة في البحث
عن السكينة والاستقرار.
اعتمد الشاعر في شعره الساخر على ركائز متعددة لإيصال غايته من إبداع نصه
الشعري، فنراه حيناً يلمح عبر الرمز إلى مضحكات ومبكيات يقوم عليها زمانه،
وحينا آخر يطرق موضوعته بنزق صارخ يحتاج إلى مباشرة استنكارية فيها جفاء
وخشونة، وفي أحايين كثيرة يعتمد على الحوار فيتحول نصه إلى مسرحية درامية،
علما أن كل الركائز كانت تتأطر بإطار قصصي تبرز فيه مفارقات مكانية وزمانية
واجتماعية وسياسية وديناميات أخرى يريد تغييرها فعلا.
فالنص الإيقاظي يحتاج إلى لغة فضَّاحة وصورة مقلوبة وخيال مستحيل:


البرق غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 16 - 04 - 2008, 19:40   رقم المشاركة : [7]
..:: خدمة العملاء ::..
الصورة الرمزية البرق
 

البرق is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى البرق إرسال رسالة عبر مراسل Yahoo إلى البرق
افتراضي

يا بن أمي أنا وأنت سواء
وكلانا غباوة وفسولهْ
أنت مثلي مغفل نتلقى
كل أكذوبة بكل سهولة
ونسمي بُخْل الرجال اقتصادا
والبراءات غفلة وطفولة
ونسمي براءة الوحش طغيا
ناً ووحشية الأناس بطولهْ
ونقول: الجبان في الشرأنثى
ووفير الشرور وافي الرجوله
يا ابن أمي شعورنا لم يزل طفلا
وها نحن في خريف الكهولةَ
كم شغلنا سوق النفاق فبعنا
واشترينا بضاعة مرذولةْ
لا تلمني ولم ألمك.. لماذا؟
يحسن الجهل في البلاد الجهولة


إنه يسخر من العلاقات الاجتماعية السائدة ويبرز التي تهد الجسد الاجتماعي
كالجهل والتسطح والكذب والنفاق والبخل ووحشية الإنسان ضد أخيه الإنسان
واضطهاد الأنثى وتمجيد الذكور وتخلف المجتمع واستيراد البدع والنِّحل والتقليد
الأعمى وأموراً كثيرة فصل بها تفصيلا، أدخل النص في مباشرة سردية أملتها
عليه وجهة النصر الذي أراد له أن يكون كذلك لأنه يتوجه بالأصل إلى متلق أمي
على الأغلب، أو مترف جهول لا تهمه علل مجتمعه، فانصرف عن مشكلاته إلى
حدود التنكر، فما عاد يهمه ما قيل وما يقال. لقد أراد البردوني، عن قصد وتصميم
أن يوصل أفكاره إلى أكبر عدد من الناس، فلا حظ أن الكوميديا هي الأكثر قبولا،
عند العامة الغالبة، كذلك أحس باندحار القيم المثالية، أمام الجائحة المادية، فعقد
على أن يسبح ضد التيار، وأن يسير على الطريق الشائكة الوعثاء، وهكذا قرر
أن يكون منتجه الفني مصنوعا من خصوصية مادته.. وبهذا اتفق مع الناقد الفذ
يوسف سامي اليوسف في رأيه القائل.
"وفي صلب الحق أن الفنون وألآداب.. ولا سيما الشعر، هي أولى الأنشطة
التي تضررت نتيجةً لاندحار المثالية أمام المادية، ففي سواء هذا الاتضاع
الشامل، يتحتم على تلك الأنشطة نفسها أن تصاب بالتجفف والتقلص النوعي،
أو بانحسار الكيفية الجوهرية للمنجزات الفنية والأدبية في الغالبه الأعم، فمن
غير المعقول أن يخسر الإنسان قيمته دون أن تخسر أنشطته العليا قيمتها هي الأخرى إذا لا مراء في أن جميع منتجات الإنسان إنما تستمد قيمتها من قيمته
خاصة ولكن الفنون مع ذلك ستظل حتى في سواء هذا التدهور الشامل، قيمةً
جُلى، أقله في نظر أولئك الحساسين المرهفين، الذين لا يطيقون الاكتفاء بالبعد الحيواني للحياة البشرية، كما أنها سوف تظل على الدوام، واحة يانعة تزهر في
جون هذا التصحر الروحي الآخذ بالاندياح في كل اتجاه، ودون أن يقبل التراجع
بأي حال من الأحوال.. فالإنسان هو الحامل الوحيد للقيمة في هذه الدنيا التي
لا تتمتع بأية قيمة في حضرة العقل الكامل.. وهذا يعني أنه علو لا يعلى عليه إلا بإيجابه الخاص أي الا بتحاوزه لذاته، في ذروة كما له، أو صور روحانيته البحتة
التي هي علو فوق المادة وثقلها وجلافتها وعجمتها، وافتقارها إلى أي تسويغ
ممكن، مهما يك نوعه"(6)
سخر البردوني من الواقع، وجسم الصورة الساخرة حتى بدت في كثير من معانيها
عبثية وغير معقوله، وكان بذلك يدين الواقع المعيشي، ويحتج على الراهن، ويحث
على التغيير أملا في نظام ورفاه وطمأنينة واستقرار وعزة.
كما كان يعرض لبؤسه وفاقته كما يتحدث عن الفقر الاجتماعي وما يولده من
أمراض نفسية تهدد طمأنينة الإنسان وتعذب الروح، فيجري تبادلا بين السلبي
والإيجابي حتى يكاد أن يوزع الفكرة بينهما، فاللص الذي يسطو على منزل
الشاعر يصاب بالإحباط؛ كونه وجد حالة بائسة تشابه تلك التي يعيشها فكانت
سبباً في انحرافه.. وهكذا سخر الشاعر من سارقه وتشفى من حالته الإحباطية.

شكراً، دخلت بلا إثارهْ
وبلا طفورة، أو غرارة
لما أغرت خنقت في
رجليك ضوضاء الإغاره
لم تصلب الطين السكون
ولم ترع نوم الحجاره
كالطيف، جئت بلاخطى
وبلا صدى، وبلا إشاره
أرايت، هذا البيت قز
ما لا يكلفك المهاره؟
فأتيته ترجو الغنا
ئم، وهو أعرى عن مغاره


***
ماذا وجدت سوى الفراغ
وهره تشتم قاره
ولهاث صعلوك الحروف
يصوغ من دمه العباره
يطفي التوقد باللظى
ينسى المرارة، بالمراره
لم يبق في كوب الأسى
شيئا حساه إلى القراره
ماذا؟ اتلقى عند صعلو
ك البيوت، غني الإماره
يالص، عفواً إن رجعت
بدون ربح، أو خساره
لم تلق إلاَّ خيبةً
ونسيت صندوق السجاره
شكراً أتنوى أن تشرفنا
بتكـرار الزياره


نلاحظ أن الفكرة استغرقت ثلاثة مشاهد ساخرة. فالمشهد الأول يصف مهارة
اللص وولوجه داخل المنزل، ثم يعرض في المشهد نفسه حالة المنزل المحسوسة
( الصمت، الفراغ، السكون ، الخواء) وهنا تصطدم الغاية الكيدية، بكيدية الغاية والتي تمثلت في خيبة أمل اللص تجاه
ماهو فيه، وإحباطه تجاه ما هو مقدم عليه، أما المشهد الثاني، فيمثل التشفي
الذي أظهره ( الفنان) وهو يشعر بمشاعر اللص الذي خابت آماله في تصيد الثمين
والخفيف، بيد أنه لم يجد سوى الفقر والفاقة وقد رمز إليهما بـ" هرة تشتم فاره"
هرة جائعة، وفأرة ماتت جوعاً وما وجدت شيئا يدفع عنها غائلة الموت،
وشاعر أثقلته الهموم الحياتية، فراح يصوغ الألم نصوصاً إبداعية، وهو يرتشف
المرارة والأسى، وهنا يبرز المضحك المبكي في المعادلة التي تقوم عليها الصورة.
وفي المشهد الثالث يتعالى ضحك الشاعر، فينعي على اللص غباءه وجهله، فهو
لم يختر المكان الصحيح، ولا الصيد الثمين.
أما اليمن فحاضر دائما في شعره، منه يستقي فنه وذاته، وعليه يعلق آماله وآلامه،
وفيه يصب مواجده وبوحه، إنه الكل في ترابه ومائه وتاريخه وبنائه وعاداته وتقاليده.
لقد حَنِق الشاعر على أولئك المتنفذين الذين هدموا قديمه بحجة التجديد، وما دروا
أنهم بفعلهم ذاك قد هدموا التاريخ وطوحوا بأمن الفقراء، فرسم بناء عليه صورة
لذلك الواقع، صورة مضحكة مبكية، أبرز فيها خراب الذات والعمران في الوقت نفسه.

يا قاتل العمران.. أخجلت
المعاول.. والمكينـه
الآن في فمك النفوذ
وفي يديك دم الخزينه؟
جرحت مجتمع الأسى
وخنفت في فمه.. أنينه
وأحلت مزدحم الحياة
خرائبا، ثكلى طعينه
ومضيت من هدم إلى
هدم، كعاصفة هجينه
وتنهد الأنقاض في كفيك
أوراقاً ثميــــنه
***
من أنت؟ شيء عن بني الإنسان
مقطــوع القرينه
ذئب على الحمل الهزيل
تروعك الشاة السمينه
عيناك، مذبحة مصوبة
ومـقبرة كمينـه
ويداك زوبعتان
تنبح في لهاثهما الضغينه
ياوارثا عن " فأر مأرب"
خطـة الهدم اللعينة


وهنا نلاحظ خطوط المؤثرات التراثية والأسطورية في تكوين ثقافة البردوني،
وأهميتها في نفسه الشعري، وتشكيل صورته الفنية، فقد أشار إلى الأسطوره
القائلة: إن فأرا دأب على فتح ثغرات في سد مأرب فتم تصدعه وخرابه.
ظل البردوني منحازا إلى طبقة الفقراء، وفضح الحيف الواقع عليهم، وجسم
الهوى المعيشية التي تفصلهم عن الأغنياء، ,أدان انحياز السلطات المكونة
للدولة إلى الاغنياء على حساب الحقيقة:

إنما لو لمست جيب غني.
في قوى قبضتيه، قوتي، ومنعي
لتلاقي الزحام حولي يدوي
مجرم، واحتفى بركلي، وصفعي
ولصالح القضاة: مااسمي وعمري
من ورائي؟ ما أصل أصلي وفرعي؟
فيقص القضاة أخطار أمس
وغدي وانحراف وجهي وطبعي
من سوابقي نصف سفر
وفصول أشد عن خبث نبعي
سأُدعى تقدميّاً خطيرا
أو أُسمَّى تآمرياً ورجــعي
وهنا سوف يحكمون بسجني
ألف شهر، أو يستجيدون قطعي
وسأبكي ولن يغير دمعي
أي شيء من وضع غيري ووضعي


البرق غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 16 - 04 - 2008, 19:41   رقم المشاركة : [8]
..:: خدمة العملاء ::..
الصورة الرمزية البرق
 

البرق is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى البرق إرسال رسالة عبر مراسل Yahoo إلى البرق
افتراضي

ويدين التسطح الفكري الذي يعاني منه جيل الشباب، ويفضح انصرافه عن القضايا الوطنية والقومية، ولهاثه وراء المستورد من اللباس والغناء والموسيقى مما يتهدد خصوصية الأمة وهويتها القومية والإنسان:
جيل التحرر والهوى
عبد التفاهة والأناقة
جيل التفتح والتمزق
والحـداثة، والعتاقة
حيران يغمره الشروقُ
ولا يرى أي ائتلاقةْ
ومرفه للجوع في ذرات
طينـته.. عراقــة
غضبان يبلع بعضه بعضا
ويفخر بالصفاقـة
وسينتهي وجد السلاح
وليس تنقصه الحماقة
دأب الشاعر في كل إبداعه الشعري على تجسيد القضايا الحيوية التي تهم جماهير وطنه، إنْ في السياسة أو الاقتصاد أو الحياة المعيشية، واختار الأسلوب الساخر أداة لتصوير تلك الهموم، لأنه وجد في السخرية طريقا إلى عقول مواطنيه، فهي الأكثر حفظاً وترديداً من قبل التندر، وبالتالي فإنها قابلةً للتأمل والإثارة وصولاً إلى الصحوة والعمل على تغيير الواقع، لكنه كان كثيراً ما يصل إلى نقطة اليأس، فينعي على نفسه جهدها وقلقها ومحاولاتها الدؤوبة على الإيقاظ والحث، عندها يسخر من نفسه التي طالما ركضت وراء سراب الأمل.
من تُغنِّي هنا؟ وتبكي على ما؟
كل شيء لا يستحق اهتماما
القضايا التي أهاجتك أقوى
من أغانيك من نواح الأيامى
خلف هذا الجدار تشدو وتبكي
والزوايا تندي أسى وجثاما
هذه ساعة الجدار كسول
ترجع القهقرى وتنوي الإماما
من تُغني يا " كاهن الحرف" ماذا؟
هل سعال الحروف يشجي الركاما
ويشهد الشاعر متغيرات متتالية في سياسة بلده، فمن انقلاب إلى انقلاب، من اغتيال إلى اغتيال، ومن اقتتال إلى اقتتال، حتى كادت الأيام أن تتشابه وأصبح الاضطراب عادة، لذا سخر الشاعر من هذا الواقع.
ولدت صنعاء بسبتمبرْ
كي تلقى الموت بنوفمبر
لكن كي تولد ثانية
في مايو.. او في أكتوبر
أو في أول كانون الثاني
أو في الثاني من ديسمبر
مادامت هجمتها حبلي
فولادتها لنا تتأخــر
رغم الغثيان تحن إلى
أوجاع الطلق ولا تضجر
وهنا لابد من التنويه إلى أن الشاعر البردوني تحول في شعره إلى ناقد سياسي عبر سخرية موجعة، فكان الملمح يتبدى في ديوانه الموسوم بـ لعيني أم بلقيس" وهي اليمن، لذا غلبت على الديوان المذكور القصائد الساخرة الناقدة المتوجهة إلى الوطن، المجسمة لحراكه السياسي على وجه الخصوص(13).
وإذاً؛ تماهى البردوني مع أبي العلاء في الإحساس بالصورة وتوليفها وتلوينها من ألوان مشاعره، ثم فلسفة الفكرة التي أراد أن يرسلها إلى المتلقي، وماثل بشار أبن برد في تضخيم المشهد وسوَّقه، نحو الإحساس بالضحك، فإنه يلتقي مع الخطيئة في سلاطته الهجائية، وتحوله في انتقاده لذاته والسخرية منها وإيصالها إلى حدود" التشيؤ" عبر لغة " سوقية" ليضحك منه وعليه طبقات المجتمع بمستوياتها الثقافية كافة:
هنا.. أرقم الصدى
وانمحى كالخربشة
وكالصلاة أرتقي
وأرتمي كالدروشة
أهمى ندى وأرتخي
كالتربة المرششة
سحابة تزرعني
تفاحة ومشمشةْ
نعشاً تجره الحصى
إلى الوعود المنعشة
مقبرة تلبسني
عباءة مزركشة
عمامة زيدية
ولحية منتفشة
كان البردوني يختار شخوصه من القاع، ويسخر من تركيبتها النفسية، ثم يدين الظروف التي أوصلتها إلى الهاوية المعيشية والإخلاقية، فهو عندما يصور بائعات الهوى، إنما يكثر التساؤل، كمثل قاض يتوجه باستجوابه إلى المتهم، بحيدة عادلة:
قل لها.. قبل أن تفض يديها
هل غرام الذئاب يحلو لديها؟
وهي ليست شاه.. ولكن لماذا
تتوالي هذي الهدايا إليها؟
مقلتاها أظما من الرمل.. ماذا
يرشف المرتوون من مقلتيها؟
عشق هذا الزمان يخلع وجهاً
ويغطي وجهاً.. ويبدي وجهيها
إنهم عاشقون.. فليخدعوها
أن يلاقوا أعز من جانبيها
تحتسي منهم الجنيهات..لكن
لاترى عشقهم يساوي الجنيها
تمتطي كفها الهدايا..ولكن
كل مُهدٍ لا يمتطي منكبيها
فهي أشقى من عاشقيها وأقوى
غير أني أخاف منها عليها
كذلك فهو يجترح نموذجاً من أولئك الذين يصنعون الثورات في الوطن العربي، وكيف يتنكر له رفاقه، فيبيت مهملاً منبوذاً.. إنه يريد القول إن تأكيد المقوله: الثورة كالهرة تأكل أولادها إذا جاعت:
من أنت؟.. ماذا تساوي
وكل ما فيك خاو(ي)
تحس جلدك ثلجا
مطينا وهو كاو(ي)
تئن، تخفي ضجيجا
أنت الصدى وهو عاو(ي)
من تسطو عليهم
وأنت وحدك ثاو(ي)
كسلان كا لجذع تقوى
عليك أدنى الهراوي
لاتشتهي أي شيء
وكل مافيك طاو(ي)
تعبُّ عشرين قرصا
وأنت كالأمس ذاو ( ي)
لا الطب يعرف داء
ولا الدواء يداوي
كل القلاع اللواتي
أقلقتها في تهاو(ي)
فاهدأ فخطوك ماض
والدرب مُصغٍ وراو (ي)
وفي هذه تظهر مشاكسة البردوني الأسلوبية والصرفية، والمشاكسة نابعة من اعتداده بنفسه أولا، إذ يريد إثبات وجوده اللغوي بإثبات الياء التي نصت القاعدة الصرفية على حذفها في حالتي الرفع والجر، كذلك فهو يسخر من النحاة والصرفيين الذي تشددوا بقواعدهم حتى على حساب جمالية الصياغة ثانيا:
واللعبة الشعرية" في جانبها الساخر" التي برع فيها الشاعر البردوني هي تلك التبادلية بين الظاهر والباطن في الممارسة السياسية، فهو يوصل المتلقي إلى المفارقات المضحكة في السياسة عندما يصف الحل الواقعي بوجود قناع، ويعري الواقع عندما يزيح القناع، فتنكشف اللعبة ويبدأ فصل الضحك:
غير رأسي.. اعطني رأس (جمل)
غير قلبي.. اعطني قلب (حمل)
ردَّني ماشئت..( ثورا) ..(نعجة)
كي أسميك يمانيا بطلْ
كي أسميك شريفاً..أوأرى
فيك مشروعَ شريفٍ محتمل
سقط الميكياج، لا جدوى بأن
تستعير الآن، وجهاً مفتعلْ
كنت حسب الطقس تبدو ثائراً
صرت شيئاً.. ما اسمه؟ ياللخجل
ويدين الشاعر أساليب التحقيق في أجهزة الأمن، ويسخر منها، ويسلط الضوء الفضاح على ما يدور في هاتيك الأقبية، ليستكمل بذلك الصورة البائسة التي رأى وطنه فيها، وقد استخدم فيها لغة الحوار، حوار" الطرشان" بين المحقق والمتهم، فيظهر التفاصيل الصغيرة وكأنها دواهٍ عظيمة يؤاخذه عليها قانونهم
وماذا عن الثوار؟ حتماًعرفتهم!
نعم حاسبوا عني، تعدوا بجانبي
وماذا تحدثتم؟ طلبت سجارة
أظن وكبريتا.. بدوا من أقاربي
شكونا غلاء الخبز. قلنا ستنجلي
ذكرنا قليلا..موت" سعدان مأبي"
وماذا؟ وأنسانا الحكايات منشد
" إذا لم يسالمك الزمان فحارب"
وحين خرجتم، أين خبأتهم، بلا
مغالطة؟ خبأتهم، في ذوائبي
لدينا ملف عنك.. شكراً لأنكم
تصونون/ ما أهملته من تجاربي
لقد كنت أميّاً حماراً وفجأة..
ظهرت أديبا.. مذطبختم مآدبي
خذوه .. خذوني لن تزيدوا مرارتي
دعوه.. دعوني لن تزيدوا متاعبي
وكلما اثقلت الهموم صدر الشاعر وضميره، ازدادت لفظته حدة وسخرية فتحولت إلى سكين جارحة، في الوقت الذي تتحول فيه لغته إلى لغة شارعية بسيطة كي يصل إلى أكبر عدد ممكن من الناس.
الخاتمة
البردوني ظاهرة إنسانية تحتاج إلى اهتمام الدارسين النفسانين، فلا يستطيع أمرؤ أن يصل إلى مغاليق شعره مالم يصل إلى دواخله وأنماط تفكيره.
شاعر سخر من كونه، لأنه رأى في بصيرته وحشية الإنسان ضد أخيه الإنسان، فأدرك عندئذ أهميته كمبدع يترتب عليه أن يكون حاديا في مجتمع، فنادى بالثورة على التخلف.
شاعر وجد نفسه جزءاً من سخرية القدر الذي سخر منه في ولادته، في مكانه وزمانه، في عماه، في عجزه، في عدم نجاحه أو مقدرته على التغيير، في ترسيمه كاهناً للحرف.
شاعر يماني حتى النخاع، فاليمن هو، وهو اليمن، وكلاهما من سخريات القدر الظلوم كما كان يصرح بقوله" أنا واليمن توأمان متماثلان كتضاريسه ( يشير إلى الندوب التي تركها مرض الجدري)، وهو أعمى لا يرى الحضارة، وأنا أعمى لا أرى الجمال والنور، وهو عقيم ما ولد معطى حضاريا، وأناعقيم ما استخلفت ضنى يحمل اسمى إذن أنا وهو متماثلان حتى التماهي(19) وهو في سخريته التي تتمظهر في شعره، إنما يصدرها عن نفس كليمة حزينة محيطة أرادها أن تكون تعبيرا عن واقع معيشي يقوم على المفارقات المتضادة.
(مجلة الكويت العدد 227)
الموسيقى.. في شعر البردوني
د. سالم عباس خدادة -
كانت الموسيقى، وستبقى، عنصراً جوهرياً في بنية الشعر، والشعراء الكبار أشد حرصاً على حضور الموسيقى المتميز في شعرهم، والشاعر عبدالله البردوني هو أحد الشعراء البارزين الذين منحوا الشعر عطاءً، يشار إليه عند من يقدرون الشعر حق قدره، وكانت الموسيقى في شعره نهراً متدفقاً حيناً آخر، حملا في كلا الحالين سفائن شعره، في رحلة مفعمة بالخيال والدلالة، خيال الشاعر الأصيل، ودلالة صاحب الرؤيا في موقفه من الحياة المتموجة والناس المختلفين.
لا يستطيع منصف أن يتجاهل أهمية العنصر الموسيقي في الشعر عموماً وفي الشعر العمودي على وجه الخصوص، بل إن أنصار ما يسمى بقصيدة النثر راحوا جاهدين يصرون على شيء من ذلك حين أكدوا دور الإيقاع في بنية القصيدة، وإن لم تسعفهم الأدوات النقدية لرصدها الرصد الموضوعي المقنع لارتباط طبيعة التجربة الشعرية في هذا اللون من الكتابة بمفهوم التجريب المستمر، والتعبير عن التجارب المتموجة والحياة الجديدة على حد تعبير أحد الشعراء النقاد.
ومن يتصفح ديوان الشاعر البردوني في جزأيه يجده ثريا بأغنيات شجية، لحنُها ولأول وهلة قد لا يكون غريباً لقارئ دواوين الشعراء الكبار، فالشاعر عزف ألحانه على إيقاعات البحور المشهورة كالبسيط والرمل والخفيف والمتقارب والكامل والطويل والسريع والمتدارك وبعض المجزواءت، وهو في كل ذلك، لا يتجاوز الإيقاع المعهود في ظاهر الأمر، ولكن واقع النصوص الشعرية للبردوني تقول غير ذلك، لأمرين: أولهما أن لغة كل شاعر أصيل تضيف ملامحها الخاصة على الإيقاع من خلال اختياره المتميز للألفاظ والتراكيب، وثانيهما أن البردوني- كما سنرى بعد قليل- حقَّق للقصيدة العمودية ما لم يحققه الآخرون، بفضل معالجته المتميزة لكثير من القضايا الاجتماعية والسياسية، وهي معالجة تعتمد الحوار على نحو لافت.. وإذا ما تجاوزنا هذه المقولات العامة إلى شيء من التخصيص الكاشف لأبعاد الموسيقى في شعر البردوني، فإننا سنلحظ أمراً مهماً هو التكرار، التكرار بشتى صوره، تكرار الحروف،وتكرار الكلمات، وتكرار التراكيب على نحو يحدث ضربا من الإيقاع المتميز، وهو إيقاع يشتبك مع العناصر الأخرى في التجربة الشعرية فيمنحها الشعرية التي تليق بشاعر كبير مثل البردوني.
أما تكرار الحروف- والحرف هنا ليس بالدلالة النحوية، فهو مما تقوى به موسيقى البيت الشعري وبخاصة إذا كان لتكرار هذا الحرف علاقة بصوت القافية أو الكلمة المشتملة على صيغة القافية فكيف إذا كان هذا الحرف بيت القصيدة ووصلها في الوقت نفسه لنقرأ هذا النموذج:
اليوم أرض مأربَ
كأمها موجهة
يقودها كأمها
فأر وسوط (أبرهة)
فما أمر أمِّها
ويومها ما أشبهه
تبيع لون وجهها
للأوجه المموهةْ
(تموز) في عيونها
العانس المولهة
والشمس في جبينها
كاللوحة المشوهة
فانظر إلى حرف الهاء وتكراره في مواضع بعينها، إضافة إلى ضرب من التوازي اللافت في البيتين الأخيرين حيث نجد جملة اسمية خبرها شبه جملة متصل بتشبيه بواسطة الكاف، والمشبه به معروف باللام في الحالين، وموصوف في الحالين أيضاً.. وقريب من هذا أن تتضمن بعض الكلمات القريبة من القافية حروفاً تتصادى محدثة إيقاعاً لا يخفى، كحرف الشين وحرف الحاء مكسورة في قوله:
"حبيب" تسأل عن حالي وكيف أنا
شبابة في شفاه الريح تنتحب
وحرف الراء في قوله:
إذا امتطيت ركاباً للنوى فأنا
في داخلي.. أمتطي ناري واغترب
وقوله المتضمن حرف الخاء:
قبري ومأساة ميلادي على كتفي
وحولي العدم المنفوخ والصخب
إلى غير ذلك وهو كثير في شعره، أما تكرار الكلمات، فلعل ذلك أن يكون بأشكال مختلفة أبرزها ما يتصل بفن رد الإعجار على الصدور، وهو فن بلاغي حدد مواضعه السكاكي في "مفتاح العلوم" وهي مواضع تحدث جرساً في البيت الشعري إذا مَا بَعُدَ الشاعر عن التكلف، وشاعرنا البردوني أبعد ما يكون عن التكلف والمتكلفين..
إن التصدير أو رد الإعجاز على الصدور مما شاع في شعر البردوني. ففي قصيدته "الفاتح الأعزل" يفتتحها بتصديرٍ في قوله:
ساه.. في مقعده المهمل
كسؤال ينسى أن يسال
ويختتمها بتصدير أيضاً:
فيعود يشكل ما ألغى
أو يمضي يمحو ما شكَّل
وبين الافتتاح والختام كان للتصدير حضور فعال كما في هذه الأبيات المتتابعة تقريباً:
فيشم خطى الفجر الآتي
في منتصف الليل الأليل
ويضيع جمالا مبذولا
في الكشف عن العدم الأجمل
يشدو للزاوية الكسلى
ويصيخ إلى الركن الأكسل
وقد يتضمن التصدير أحياناً ضرباً من الجناس وإن كان البردوني لا يلح عليه كالذي نجده من الجناس غير التام في قوله:
قالوا هم البشر الأرقى وما أكلوا
شيئاً.. كما أكلوا الإنسان أو شربوا
أما تكرار التركيب، وهو تكرار يدخل في إطار التوازي، فإنه كثير لدى البردوني ولو قرأنا مقطعاً من قصيدته "الغزو من الداخل" لأدركنا شيوع هذا الأمر:
فظيع جهل ما يجري
وأفظع منه أن تدري
وهل تدرين يا صنعا
من المستعمر السري؟
غزاة لا أشاهدهم
وسيف الغزو في صدري
فقد يأتون تبغا في
سجائر لونها يغري
وفي صدقات وحشيٍّ
يؤنْسنَ وجهه الصخري
وفي أهداب أنثى في
مناديل الهوى القهري
وفي سروال أستاذ
وتحت عمامة المقري
وفي أقراص منع الحمل
في أنبوبة الحبر
وفي حرية الغثيان
في عبثية العمر
وفي عود احتلال الرأس
في تشكيله العصري
وفي قنينة الويسكي
وفي قارورة العطر
ويستخفون في جلدى
وينسلُّون من شعري
وفوق وجوههم وجهي
وتحت خيولهم ظهري
غزاة اليوم كالطاعون
يُخفى وهْو يستشري
يحجر مولد الآتي
يوشي الحاضر المزري
فظيع جهل ما يجري
وأفظع منه أن تدري
فهذا المقطع الذي ذكرناه كاملاً من القصيدة المذكورة يتضمن ملامح أساسية للإيقاع في شعر البردوني، فتكرار العبارات تَواصَل على مدى مجموعة من الأبيات مشكلاً إيقاعاً آخر يضاف للإيقاع العروضي الذي جاء على مجزوء الوافر، ومن الملحوظ أن الأبيات لا تبدأ به، وإنما ولدت هذه العبارات نسقا من التعبير خرج على بداية النص، واستمر، ثم خرج الشاعر إلى ضرب من المقابلة، والمقابلة تحدث نوعاً من الموسيقى أيضاً، ثم ختم المقطع بما بدأ به مكرراً البيت نفسه.. إن البردوني بهذا الصنيع يشكل موسيقاه الخاصة التي لا تخصه إلا لدواعي تجربته، ورغبته في التعبير عن أزمة حقيقية يعيشها الإنسان اليمني، والعربي بشكل عام، ومن ثم جاء تكرار البيت الأخير على غير المعتاد ليكرس الدلالة التي يرمي إليها من خلال إعادة الأصوات التي صرخ بها في البداية.
ولعل البردوني كان أبرز الشعراء الذي أعادوا للقصيدة العمودية شبابها، وحيويتها، وكان جهده الجلي من أجل ذلك هو إثراء النص الشعري بالحوار، وقد يسأل سائل وما علاقة الحوار بالموسيقى؟ نقول علاقة وطيدة، وبخاصة في القصيدة العمودية حيث الوزن يحاصر الشعراء، والقافية تقطع عليهم التدفق في الخطاب، وهذان الأمران: الحصار والقطع، وهْمَان أسقطهما البردوني على نحو لم يسبقه إليه شاعر آخر، وفي هذا ما فيه من علامات على موهبة أصيلة، فهو يتحكم بالوزن كما يشاء ويدير الحوار كما يريد وبمرونة منقطعة النظير.. لننظر في قصيدته "سند باد يمني في معهد التحقيق":
كما شئت فتش.. أين أخفي حقائبي
أتسألني من أنت؟.. أعرف واجبي
أجب، لا تحاول، عمرك، الاسم كاملاً
ثلاثون تقريباً.. (مثنى الشواجبي)
نعم، أين كنت الأمس؟ كنت بمرقدي
وجمجمتي في السجن في السوق شاربي
لقد جاءت هذه القصيدة على وزن مشهور،وشائع لدى القدماء بل هو الأشيع على وجه الإطلاق في الشعر العرب القديم: فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن.. وصورته هذه هي أكثر استعمالاً لدى الشعراء.. والبردوني لم يخرج في حقيقة الأمر عن هذا الإيقاع فالقصيدة من أولها إلى آخرها تعتمد عليه، ولكن البردوني لجأ إلى الحوار في معالجة موقفه من التحقيق والمحققين التافهين ومن سمع البردوني، ومن قرأ له هذه القصيدة القراءة التي أرادها الشاعر من خلال الوقوف عند نهايات الجمل التي حددها بعلامات الاستفهام والفواصل وغير ذلك، سيجد أن طريقة البردوني تشكل إيقاعاً خاصاً يضاف إلى إيقاع الطويل، بل إن التوقف عند مقاطع معينة واللجوء للتنغيم، قد يشعر المتلقي بإيقاعات جديدة قد لا تسمح بتواصل إيقاع الطويل، بل قد تعطل ذلك التواصل فيه.
مجلة الكويت


البرق غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 16 - 04 - 2008, 19:42   رقم المشاركة : [9]
..:: خدمة العملاء ::..
الصورة الرمزية البرق
 

البرق is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى البرق إرسال رسالة عبر مراسل Yahoo إلى البرق
افتراضي

ه ماقصدها هادي رحال
فجر النبوّة
صور الجلال وزهوة الأمجاد سكبت نمير الوحي في إنشادي
صور من الأمس البعيد حوافل بالذكريات روائح و غوادي
خطرت تعيد مشاهد الماضي إلى الـ يوم الجديد إلى الغد المتهادي
حملت من الميلاد أروع آيه غمرت متاه الكون بالإرشاد
زمر من الذكرى تروح و تغتدي و تشقّ أبعادا إلى أبعاد
و تزفّ وحي المولد الزاهي كما زفّ النسيم شذا الربيع الشادي
يا فجر ميلاد النبوّة هذه ذكراك فجرا دائم الميلاد
و تهلّل اكون البهيج كأنّه حفل من الأعراس و الأعياد
و أفاقت الوثنيّة الحيرى على فجر الهدى و على الرسول الهادي
فمواكب البشرى هناك و ها هنا تنبي الوجود بأكرم الأولاد
و المجد ينتظر الوليد كأنّه و المجد و العليا على ميعاد
و ترعرع الطفل الرسول فهبّ في دنيا الفساد يبيد كلّ فساد
و سرى كما تسري الكواكب ساخرا بالشوك بالعقبات و الأنجاد
بالغدر يسعى خلفه و أمامه بالهول بالإبراق بالإرعاد
لا ... لم يزل يمشي إلى غاياته و طريقه لهب من الأحقاد
فدعى قريشا للهدى و سيوفها تهفو إلى دمه من الأغماد
فمضى يشقّ طريقه و يطير في أفق العلا و الموت بالمرصاد
و يدوس أخطار العداوة ماضيا في السير لا واه و لا متمادي
لا يركب الأخطار إلاّ مثلها خطر يعادي في العلا و يعادي
نادى الرسول إلى السعادة و الهنا فصغت إليه حواضر و بوادي
و تصاممت فئة الضلالة و اعتدت فأتى إليها كالأتيّ العادي
واهتاجت الهيجا فأصبحت العدا خبرا من الماضي و طيف رقاد
لا تسكب الأوغاد إلاّ وثبة ناريّة غضبى على الأوغاد
و من القتال دناءة وحشيّة حمقى و منه عقيدة و مباديء
خاض الرّسول إلى العلا هول الدجا و لظى الهجير اللّافح الوقّاد
واقتاد قافلة الفتوح إلى الفدى و المكرمات دليلها و الحادي
و هفا إلى شرف الجهاد و حوله قوم تفور صبابة استشهاد
قوم إذا صرخ العراك توثّبوا نحو الوغى في أهبة استعداد
و تماسكوا جنبا وارتموا كالموج في الإغراء و الإزباد
و تدافعوا مثل السيول تصبّها قمم الجبال إلى بطون الوادي
و إذا تساجلت السيوف رأيتهم خرسا و ألسنة السيوف تنادي
هم في السلام ملائك ولدى الوغى جنّ تطير على ظهور جياد
و هم الألى الشمّ الذين تفتّحت لجيوشهم أبواب كلّ بلاد
الناشرون النور و التوحيد في دنيا الضلال و عالم الإلحاد
الطائرون على السيوف إلى العلا و الهابطون على القنا الميّاد
بعث الرسول من التفرّق وحدة و من العدا القاسي أرقّ وداد
فتعاقدت قوم الحروب على الصّفا و توحّدت في غاية و مراد
و تحرّكت فيها الأخوة مثلما تتحرّك الأرواح في الأجساد
و محا ختام المرسلين عن الورى صلف الطّغاة و شرعة الأنكاد
فهناك تيجان تخرّ و هاهنا بين السكون مصارع استبداد
و هناك آلهة تئنّ و تنطوي في خزيها و تلوذ بالعبّاد
و المرسل الأسمى يوزع جهده في الحقّ بين هداية و جهاد
حتّى بنى للحقّ أرفع ملّة ترعى حقوق الجمع و الأفراد
و شريعة يمضي بها جيل إلى جيل و آزال إلى آباد
يا خير من شرع الحقوق و خير من آوى اليتيم بأشفق الإسعاد
يا من أتى بالسلم و الحسنى و من حقن الدّما في العالم الجلّاد
أهدي إليك و منك فكرة شاعر درس الرجال فهام بالأمجاد
البردوني مناضلاً
محمد صالح الحاضري -
كانت الطبقة المتوسطة اليمنية تحتوي على معظم المثقفين من الأدباء والقضاة والعلماء والمدرسين و الضباط ورجال الأعمال، واستطاعت هذه الشريحة أن تطور اللغة أو اللهجة المستعملة بين أفرادها لتكون مزيجاً من اللغة العربية الفصحى واللغة العامية، ومزيجاً من لهجات الطبقة العليا- الحكام وكبار التجار- ولهجة أو لهجات الجماهير الشعبية كون هذا التحليل ينطبق على سائر أجزاء الطبقة الوسطى على مستوى اليمن بلهجاتها ومناطقها المتعددة التي تبلغ الذروة في مدينة عدن.
يومها كان الأدباء ورجال التربية والتعليم وضباط الحربية وأصحاب المحلات التجارية في الأسواق التقليدية وقضاة الاستئناف والمحاكم القضائية يتحدثون بمفردات أكثر أناقة، وموسيقى أكثر عذوبة حتى أنه سبق القول في فترة الاحتلال التركي قبل 1918م أن الأتراك قد عطلوا التطور الثقافي بالرطانة التي شوشت على مجالس صنعاء المعروفة بمناقشات العلماء ومجادلات المثقفين في المنطق والفلسفة والفقه واللغة والأدب.
ولقد أدهشتني اللغة الفلسفية لأحرار 1918م وولعهم بسقراط وفلاسفة أثينا وأثار اهتمامي ولع الأستاذ زيد الموشكي بالشيخ جمال الدين الأفغاني ومقابلته للشيخ عبدالله الحكيمي التي كانت مقابلة بين الاعتزال والتصوف.
وعندما سافر الأستاذ عبدالله البردوني إلى ليبيا مع وفد الأسبوع الثقافي اليمني أثير هذا الموضوع في الطائرة فعلق على موضوع لهجة المثقفين بالقول إنها تمثل نوعاً من الفصعامية (أي الفصحى العامية) وهو مزج ارتجله الأستاذ للإعراب عن الحقيقة المتعلقة باللهجة الرائجة في أوساط المثقفين اليمنيين.
وبالنسبة لي فإن هذا الموضوع مناسب للحديث عن جيل الرواد الذين أنجبتهم القيم الثقافية الراقية بحيث لا يمكن تكرار مثل هذا الجيل دون وجود هذه القيم والثقافة، من هؤلاء الرواد الأستاذ عبدالله البردوني.
فالبردوني كان مناضلاً قوي الموقف غزير الثقافة السياسية والأدبية والتاريخية ولم يختلف عن الزبيري والنعمان إلا في الانعكاسات القسرية للظروف الخاصة التي كانت مساعدة لهما ومع ذلك فإن مناضلي الداخل غالبا ما يعانون بصورة أشد وليس مناضلوا الخارج سوى عناصر اختارت هذا المسار لتخفيف درجة الألم وتوفير فرصاً أوسع للتحرك والتأثير.
فهل قصائد البردوني أول الثورة بالشيء القليل وهل مواقفه المستمرة دفاعاً عن القضايا الوطنية هي أقل مما قدمه الآخرون.
كلا فالبردوني قد خلق جانباً من ثقافة الجيل وأسهم في تخصيب دائرة الوعي في صفوف أوسع من الجماهير، وهو برحيله سيترك فراغاً كبيراً ربما لا تملؤه سوى الإفرازات المحتملة للجيل الذي تأثر به وبمدرسة الأحرار اليمنيين التي هي مدرسة الشعب والدين والثورة ومدرسة الثقافة الوطنية. وعلى مستوى اليمن كلها لم يحض رجل بالإجماع كالذي حظي به البردوني في حياته وليس بعد مماته فقط.
ولا شك أن غيابه قد كشف الهزيمة التي تتعرض لها القيم الوطنية والإنسانية ومعها المعايير العادلة في التقييم الاجتماعي كونه لم يحظ بالتعازي على صفحات الجرائد الرسمية بنفس طريقة التعزية لوجاهات المرحلة بوجهيها التقليدي والطفيلي بعد أن أصبحت القيمة للمال والنفوذ على حساب الثقافة والعلم والرجولة كقيم رئيسية سيؤدي غيابها إلى تدمير أهم شروط التطور المتاحة، لكنه حظي بما هو أعظم حين كرمته النخبة والفقراء والأوساط الدولية والعربية.
فالبردوني كان حلو الابتسامة رقيق اللفظ عميق التفكير وكان زاهداً شامل الثقافة، اجتماعي الخط قوي النزعة الإنسانية وكان استثنائيا في حجمه. الأمر الذي جعل عمالقة الشعر في ملتقى أبي تمام يتسمرون على مقاعدهم بعد أن شاهدوا نهوضه كأبي العلاء المعري وقامته كأبي تمام والمتنبي.شاهدوا الحالة التاريخية في وجهه وحاضر الأمة في عينيه ومستقبلها في قصائده.
أما في الداخل فقد تحول إلى جزء من الثروة القومية وعلامة دالة على الكبرياء الوطني في وجه التحديات، وكان وحدوياً ثوريا صانعا للرأي العام، وأحد مهندسي الخطاب الوطني. تميز بالمسار الثقافي في اندفاعاته السياسية عكس العناصر التي اختارت المسار الطليعي -كامل المواصفات النضالية- وذلك لأن البردوني صاحب معاناة خاصة ناتجة عن عوامل معروفة.
فهل اختار البردوني هذا الطريق لظروفه الخاصة فعلاً أم لاعتبارات أخرى أكثر وجاهة خاصة وهو شجاع وصاحب شخصية قيادية ومناضل كبير لا يختلف عن غيره.
صحيفة الثوري اليمنية
بعد عمر قدم لنا فيه البردوني ماقدمه ..
فقدته الحياة ..
"في الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الاثنين 30 أغسطس 1999م وفي آخر سفرات الشاعر الى الأردن للعلاج توقف قلبه عن الخفقان بعد ان خلد اسمه كواحد من شعراء العربية في القرن العشرين .. "
.
وتعددت أشكال نعيه ..
ومنها /
مات عبدالله البردوني
عبدالسلام لصيلع -
في أقل من شهر فقدت الأمة العربية شاعرين كبيرين، من أكبر شعرائها وأكثرهم شهرة وتميزاً وخصوصية.. ففي الـ(3) من أغسطس توفي في دمشق الشاعر العربي العراقي عبدالوهاب البياتي، وفي الـ(30) من نفس الشهر توفي في صنعاء الشاعر العربي اليمني عبدالله البردوني شاعر اليمن الأول بغزارة إنتاجه الشعري والنثري.
والحقيقة أن الشاعر الفقيد عبدالله البردوني- رحمه الله وغفر له- كان علماً من أعلام اليمن الحديث ومقصداً لكل من يزور اليمن من المثقفين العرب ومثقفي العالم، وأدبائه وشعرائه وصحافيه.. فليس من المعقول أن يزور الإنسان اليمن ولا يزور عبدالله البردوني في منزله.. إن البردوني مثل الشاعر الدكتور عبدالعزيز المقالح من الأشخاص الذين لا بد من الاتصال بهم في اليمن والحديث معهم. ففي سنة 1984م أقيم في صنعاء أول أسبوع ثقافي تونسي، وكنت من بين الوفد الصحفي الذي واكب فعاليات ذلك الأسبوع الثقافي التونسي، وكنا ثلاثة اتفقنا على زيارة عبدالله البردوني في منزل الصديق المرحوم صالح جغمان والصديق عبدالجليل المسعودي.. وكاتب هذه السطور.. عندما دخلنا عليه نهض- رغم فقدانه البصر- ورحب بنا ترحيباً حاراً كأنه يعرفنا قبل ذلك ورغم ظروفه الصعبة كان كريماً معنا، وكان في غاية الفرح والسعادة بنا لأننا كنا ضيوفه.. وكان في غاية التواضع والبساطة..وكان دائم البشاشة والابتسامة.. وكان صاحب نكتة وفكاهة.. أجرينا معه الحوارات الصحفية.. والتقطنا الصور التذكارية.. وأهدى إلى كل واحد منا مجموعة كبيرة من دواوينه ومؤلفاته الأخرى.. وبعد ذلك تجدد لقائي بالشاعر عبدالله البردوني في تونس عندما جاء ضمن وفد الأسبوع الثقافي اليمني بتونس. وعاد البردوني إلى تونس في مؤتمر اتحاد الكتاب والأدباء العرب عندما كان مقره هنا.. وما زلت احتفظ بتسجيل صوتي لحوار طويل معه لم ينشر إلى الآن، لقد خسرته اليمن والأمة العربية، ومن يموت لا يعوض.
قاهر الظلام والجهل.
يعجبني في عبدالله البردوني أنه قاهر الظلام والجهل والفقر.. لم يمنعه العمى من أن يكون من أكبر الشعراء والباحثين العرب في القرن العشرين.
كلمات من ذهب:
يقول عبدالله البردوني: "الإبداع هو الذي ينقلك إلى عالمه وتشعر أنك انقطعت عن عالمك كذلك هو تجربة جديدة لرؤية جديدة تعبيراً وتفكيراً. وأظن أن التفكير هنا أهم من التعبير والرؤية أهم من الشكل، لأن الإبداع قد يأتي في القليل، قد يأتي في أي مكان من الأمكنة، فالإبداع هو الدهشة كظاهرة كونية غير مألوفة، ومفاجئة. تقرأ القصيدة كأنك أمام مفاجأة لم تتوقعها ولم تتوهم احتمالها.
يا وجهها (للبردوني)
يا وجهها في الشاطئ الثاني
أسرجت للإبحار أحزاني
أشرعت يا أمواج أوردتي
وأتيت وحدي فوق أشجاني
ولم أتيت؟ أتيت ملتمساً
فرحي وأشعاري وإنساني؟
ويقول البردوني:
الدهر أدوال.. أتدري متى
سيضعف الأقوى ليقوى الضعيفْ؟
أنت الذي رددت: بعد الشتا
صيف، ولكن كيف أشتى المصيفْ؟!
الآن، قل لي أنت: ماذا يلي
هذا؟ ألاتدري بأني رصيفْ؟!

صحيفة الحرية التونسية 1999م
.


البرق غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 16 - 04 - 2008, 19:44   رقم المشاركة : [10]
..:: خدمة العملاء ::..
الصورة الرمزية البرق
 

البرق is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى البرق إرسال رسالة عبر مراسل Yahoo إلى البرق
افتراضي

خطاب إلى عبدالله البردوني
عبدالمحسن التليدي- الكويت -


أجل أدري وما أد
(ري) الذي يجري لمن يجري
وما صنعاء للقنسي
غير نبوءة تغري
وما في الصدر نصل السيف
بل قناصة الغدر
فيا بَرْودُونيَ الأشواق
لا بردا على الصدر
ولا غضب الصوارخ في
المدى يرتد بالصبر
ولا " غيل الشِّلالة" (1) فيــ
كما بالماء قد يسرى
عدن تنوفة الحر
فقل يا شاعر اليمن
وأنت الشاعر المطري(2)
لمن بلقيس تهدي العـ
رش، ما سجدت لذي خطر؟!
وما عبدت سراج الشمــ
ـس أو برقوقة القمر
لمن كشفت عن الساقين
واستحلت لظي النظر؟
ولا حرج قوارِرُه
تحاكي لجة النهر
فمن صلى بعيد الشفــ
ـع قهراً ركعة الوتر؟!
وكنا نعرف اليمنَيْن
عض الشبر في الشبر
وكنت تراود العشا
(ق) عَلَّ" معاشقاً" (10) تدري
تقول النوق من نجرا
(نَ) إن " صلالةً" (4) تشري
نقائضنا، وكل تراث مـمـ
ـلكةٍ من الشعراء بالجمر
فلا تكتب معلقة
ولا تسأل عن الخبر
ولانبأً عن الهدهد
لاهجرا على مضر
ولا تغضب إذا العَنَدي (5)
أباح قصائد الفخر
وحدَّثنا عن الأمواج
تغسل ردهة القصر
"وعن وعد ربيعي" (6)
تقطر من لمى الفجر
وقل للأهل في اليمن:
"من المستعمر السري"؟!


البرق غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 12:32.

    Powered by vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
ترقية وتطوير: مجموعة الدعم العربى
  

SEO by vBSEO