|
|
#1
| |||||||
| |||||||
أطفال الليل وسط رعد السماء.. وانشقاقها عن برد قارص مخلوط برزاز أمطار مائل .. لم يجد الأسطي "محروس" ذو الأعوام العشر ، غير حائط البوص الخاص بأحد الغرز المنصوبة في أحد أطراف محطة ركوب السيارات ، الساكنة خارج مدينة الزقازيق .. كانت رأسه تتحرك بسرعة كأنها مثبته فوق رمان بلي ، وهو يتلف في زعر لعل عينيه تقعان علي شخص حدفه قدره يؤنس طريقه ، ولكن كانت الطرقات قد خلت وتحولت البيوت إلي شواهد قبور .. ولم يتبق فيها إلا الكلاب الضالة المتكورة علي نفسها محتمية من بالحوائط . اجتاح جسد "محروس" الهزيل رعدة شديدة ، وأنين سريع يصل إلي درجة التشنج ، وأخذت الدموع طريقها المعتاد كل ليلة بداخل مجري نحت وسط الزيوت والشحم المتكوم فوق وجهه . لم يكن الأسطي "محروس" يرتدي علي جسده غير بقايا قميص متآكل التصق بفعل الزيوت بجسده النحيف ، حاول محروس حينما أخذه من الأوسطي صاحب الورشة التي يعمل بها ، التعرف علي لونه الأصلي حتى يتباه به أمام أقرانه ، ولكن في كل مرة كان يخيب أمله ، كعهده مع البنطلون الذي يرتديه .. شعر بالملل من انتظار قدوم إحدى عربات النقل التي تنقل أهل قريته طوال أيام الأسبوع ، ما عدا يومي السبت والأربعاء ، التي تتخصص فيهما لنقل البهائم إلي الأسواق القريبة من القرية .. بعد أن أصابه اليأس والخوف من طول الانتظار ، ما كان منه إلا البدء في رحلته اليومية ، التي في العادة تبدأ به من المحطة وتنتهي عند عزبة المسلمية القريبة من قريته .. تحرك "محروس" من مكمنه الدافئ عابرا الطريق ، وهو يستند بيده اليمني علي ساقه اليمني التي يعاني فيها بشلل أطفال .. تحرك في ذعر مبتعدا عن شرار أسلاك الكهرباء والكلاب الضالة .. يتلفت .. يتصنت .. يرهف السمع علي الأصوات القادمة من بعيد ، تقطع صمت الليل المخيف .. وهو يتخيلها أرواح تطارده أو عفاريت تبحث عن عنقه حتى تلتهمها .. يدفعه كل ذلك إلي الهرولة والجري دون شعور وسط برك المياه التي خلفتها الأمطار .. حتى يقترب من مطحن الغلال المتواجد عند مفترق الطرق المؤدية إلي قريته ... ولا يقتحمه بصيص من الاطمئنان وتهدأ زفة دقات قلبه ، التي كانت تتردد كطبول الحرب ، بصوت أعلي من صفير الهواء والشرار المتساقط من أسلاك الكهرباء ، حتى يلمح من بعيد النار التي يشعلها "أمين " خفير المطحن .. - يا بني هو كل ليلة علي كدا هو الأسطي بتاعك مفيش في قلبه رحمه . - أعمل أية يا عم أمين .. ويستمر محروس والخفير في ثرثراتهما علي هذا الحال ساعات وأيام وقد تمتد بهم إلي شهور الشتاء كلها .. نفس الكلام الذي يليكون فيه كل ليلة .. ونفس الأشخاص الذين يتحدثون عنهم .. الأسطي ... الأب .. الأم ... أخواته .. المدرسة ، وفي أحيان كان الخفير يغفوا ممددا بجوار النار تاركا محروس منتظرا بمفرده يتدفأ .. وفي أحيان كثيرة يستيقظ مستكملا نفس الثرثرة وكأنهما مازالا يتحاوران . فبعد بوابة المطحن لا يستطيع محروس التحرك خطوة واحدة ، فأساطير العفاريت تملأ بقية الطريق حتى قريته .. ولكن لحسن حظه في تلك الليلة ، لم يمر عليه وقت طويل حتى لاحت له من بعيد أضواء باهتة سيارة تتجه ناحيتهما .. - شبرا يا اسطي .. ينوبك صواب تاخد الواد الغلبان ده . - لا لحد المسلمية .. - مسلمية مسلمية .. بس أوعي ينام منك وتنساه . في ثواني معدودة كان محروس يتكور علي نفسه في صندوق السيارة المفروش بقش الأرز المشبع بماء المطر وروث البهائم خلف كابينة السائق ، حتى يحتمي بها من أسهم البرد القارس ، التي تخترق عظامه في سرعة تسابق بها رصاص بندقية الخفير .. في عزبة المسلمية تذكره المريض الجالس بجوار السائق ، ولولا ذلك لكان قد أستقر في صندوق السيارة حتى الصباح .. توقفت السيارة بعد أن مرت عبر الكوبري الذي يخترق منتصف العزبة . وبصوت جهوري أيقظ "محروس" السائق ، فوجد نفسه وحيدا وسط ظلام دامس .. وبرك من الطين تغطي ساقيه حتى الركبة ، وبيوت طينية تحولت أمامه إلي جحور تغوص تحت الأرض ، لا يميزها عن أكوام السباخ إلا خروج شخير أهلها المتشابه في نغمته مع نقيق الضفادع ونهيق الحمير .. عند بداية الطريق الملتوي المؤدي إلي قريته ، وقف "محروس" متسمرا وسط شعوره بالخوف من المشي وحيدا به ، لأن أهل القرية لم يتركوا به شبرا واحدا إلا وملؤه بأحاديث عن الأطفال الذين يتم خطفهم .. وذبحهم فوق سير ماكينة المياه التي يروون بها أراضيهم لتزفيرها بالدم قبل أن تعمل .. بعد فترة من البكاء المتقطع جاء الفرج في صوت أجش لرجل ينهر حماره من داخل العزبة .. هرول "محروس " ناحيته وسط برك الطين حتى وصل إليه وعرف فيه الحاج أمين شيخ البلد .. - أية يا واد يا محروس اللي م أخرك لحد كدا . - الأوسطي بتاعي .. ما بيسبنيش كل ليلة إلا بعد صلاة العشا . - هو أخوك الكبير لسة في الجيش . - ربنا يسهله يا عمي الحج .. علشان أرجع مدرستي .. بمجرد أن رأي محروس شيخ البلد شعر بالدفيء أكثر من أبنه الراكب أمامه الحمار ، والذي يلتف بعناية في عباءة والده الثقيلة خوفا عليه من شدة البرد .. أخذ يحكي والحاج يسمع نفس الحديث الذي يحكيه مع الخفير ، عن مأساته كل ليلة من أجل العودة إلي داره ، حتى يسهل ربنا لأخوه الكبير وينتهي من تأدية الخدمة في الجيش ، ويذهب مكانه إلي للعمل في الورشة ، حتى يساعد والديه في تربية أخوته .. وتمر الأيام ويأتي العام التالي ولم نعد نلمح محروس علي المحطة ، وسمعنا بأنه عاد إلي مدرسته.. ولكن كان أبن عمه الصغير هو الذي أصبح رفيقا لنا في السفر ، ويعود في صندوق العربات من الورشة متأخرا طوال ليالي الشتاء .. المصدر: منتديات مدينة الاحلام H'thg hggdg |
27 - 05 - 2007, 16:35 | رقم المشاركة : [2] | |||
| احمد خيري قصه رائعه مشكور وننتظر جديدك | |||
27 - 05 - 2007, 16:56 | رقم المشاركة : [3] | ||
| الاخ العزيز الف شكر لك قصه جميله جدا | ||
28 - 05 - 2007, 16:35 | رقم المشاركة : [4] | |||
| أختي العزيزة أحلام أخي العزيز البرق شكرا علي مروركما الكريم | |||
29 - 05 - 2007, 20:36 | رقم المشاركة : [5] | |||
| يعطيك الف عافيه ياأحمد قصه جدا رائعه دمت لنا بصحه وعافيه &&إحترامي وتقديري&& لؤلؤة المطر | |||
30 - 05 - 2007, 13:17 | رقم المشاركة : [6] | |||
| أختي العزيزة لؤلؤة شكرا علي كلماتك الرقيقة | |||
07 - 07 - 2007, 03:33 | رقم المشاركة : [7] | |||
| قصة جيدة من الواقع دات حبكة لا بأس بها.أخي خيري حبذا لو كانت خالية من بعض الكلمات العامية لكان احسن بكثير وتكون مفهومة من الجميع. مجهود تشكر عليه. دمت بود. | |||
12 - 07 - 2007, 14:51 | رقم المشاركة : [8] | |||
| شكرا أخي الكريم علي مرورك الجميل | |||
12 - 07 - 2007, 16:29 | رقم المشاركة : [9] | |||
| قصه جميله جدا مشكور اخى تحياتى بنوته فرعونيه | |||
25 - 07 - 2007, 16:57 | رقم المشاركة : [10] | |||
| عجبني الرمز الخاص بك هذه المرة " الشكل المستخدم " بدلا من وضع اليد في الأنف .. خوف من الميكروبات | |||
26 - 07 - 2007, 03:56 | رقم المشاركة : [11] | ||
| واااااااااو القصه جميله وروعه وناطرين جديدك | ||
26 - 07 - 2007, 15:26 | رقم المشاركة : [12] | |||
| ماشى يا استاذ احمد يعنى الرمز مو عاجبك طويب هههههههههه عشان المكروبات بس ها | |||
28 - 07 - 2007, 15:50 | رقم المشاركة : [13] | |||
| شكرا أختي العزيزة أحلا مسك علي كلماتك الرقيقة .. وأشكرك يا أختي العزيزة بنت فرعون علي ميكروب البرد اللي أرسلتيه لي | |||
28 - 07 - 2007, 22:27 | رقم المشاركة : [14] | |||
| اخى احمد والله لاتزعل انا بمزح معاك وعارف والله فعلا انا عندى برد اشكرك وتقبل مرورى | |||
29 - 07 - 2007, 16:13 | رقم المشاركة : [15] | |||
| عرفتي أني بأقرأ مرضك .............. | |||
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
Powered by vBulletin Version 3.8.7 Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd ترقية وتطوير: مجموعة الدعم العربى |