|
|
#1
| |||||||
| |||||||
ألكسندر بوشكين شاعر روسيا العظيم و طويلا سيظل قومي يحبونني فقد هززت بقيثارتي المشاعر الخيرَة و تغنيتُ ممجداً الحرية في عصري العاتي .و ناديتُ بالرحمة على المقهورين عن كتاب: أعلام الأدب الروسي ألكسندر بوشكين ابنة الآمر (مختارات نثرية) ترجمة: غائب طعمة فرمان دار التقدم موسكو كتب غوغول الكاتب الروسي الواقعي العظيم، وصديق بوشكين ومعاصره: "عندما يذكر اسم بوشكين، تتألق في الذهن الفكرة عن شاعر روسي على نطاق الأمة كلها.. إن بوشكين ظاهرة فذة، ولربما، الظاهرة الوحيدة للنفسية الروسية. وفيه تجلت الطبيعة الروسية، والروح الروسية، واللغة الروسية، والخلق الروسي في تلك الدرجة من النقاء والجمال المصفى على عدسة بصرية بارزة". ولد الكسندر بوشكين في موسكو في الحد الفاصل بين قرنين، في 26 أيار (2 حزيران) 1799. وكان أبوه ينحدر من أسرة نبيلة عريقة كانت غنية في وقت من الأوقات. وكانت أمه حفيدة أبرام غنيبال الأمير الحبشي الذي اختطفه الأتراك ، وأرسلوه هدية إلى القيصر الروسي بطرس الأول. كان بوشكين يفخر بجد أمه الذي كان قائداً مشهوراً في عهد بطرس، ووصفه في روايته التاريخية "زنجي بطرس الأكبر". عاصر بوشكين في حياته القصيرة أحداثاً تاريخية هائلة. فانطبع في ذاكرة الشاعر إلى الأبد المد الوطني الذي أثارته الحرب الوطينة لعام 1812 ، واندحار قوات نابليون، وعودة المنتصرين الظافرة إلى أرض الوطن. شهدت بداية العشرينيات من القرن التاسع عشر نهوضاً في حركة التحرر الوطني في أوروبا الغربية (الثورة في نابولي، والانتفاضة في اسبانيا)، والنضال ضد السيطرة التركية في اليونان). كما احتدم الوضع السياسي في روسيا أيضاً. فأسست الجمعيات السياسية السرية، التي كانت تستهدف القضاء على نظام الرق، والاطاحة بالحكم القيصري المطلق. فأصبح بوشكين الشاب الشاعر المعبر عن النزعات المتحررة لشبيبة النبلاء المتقدمة. واشتهرت بشكل خاص أشعار الشاعر السياسية والمقطوعات الهجائية المناهضة للتحكم والطغيان، والمدافعة عن حقوق الشعب المداسة (القصيدة الغنائية "الحرية" والقصيدتان "القرية" و "إلى تشآدايف" وغيرها). وقد قال القيصر الكسندر الأول باستياء أن "بوشكين أغرق روسيا بالأشعار المثيرة التي تحفظها الشبيبة كلها عن ظهر قلب. ينبغي أن يُنفى بوشكين إلى سيبيريا". ولم يتحقق هذا التهديد، إلا أن بوشكين نفي من بطرسبورغ إلى طرف روسيا الجنوبي، بحجة نقل إداري في الوظيفة. كانت سنوات النفي إلى الجنوب فترة من العمل الابداعي الشديد، والتأملات العميقة، فترة التفتح العظيم لعبقرية بوشكين الشعرية. في عام 1820 يفرغ الشاعر من أول عمل إبداعي كبير له، وهو قصيدة "روسلان ولودميلا". وقد أهدى الشاعر الشهير فاسيلي جوكوفسكي معاصر بوشكين الأقدم، صورته إلى بوشكين، وعليها الاهداء المشهور: "إلى التلميذ الغالب من المعلم المغلوب". في بداية العشرينات تظهر قصائد بوشكين الرومانسية الجنوبية: "أسير القفقاس" (1822)، و"نافورة باختشي سراي" (1823)، و"الغجر" (1824). وتمضي الحكومة في ملاحقة الشاعر الحر الأبي ومطاردته، فتنفيه في خريف 1824 إلى قرية نائية في ولاية بسكوف تحت رقابة البوليس. عاش الشاعر في ضيعة أبية – قرية ميخائيلوفسكويه- حياة منعزلة ملأها بالقراءة والابداع. وقد لامس الشاعر في هذه القرية حياة الفلاحين الأقنان عن كثب، وتطور وقوى اهتمامه بالابداع الشعبي. فأخذ يدوّن أغاني شعبية، ويستمع إلى حكايات مربيته أرينا روديونوفنا، فيكتب إلى أخيه باعجاب: "ما أكثر ما في هذه الحكايات من سحر! إن كل واحدة منها قصيدة شعر". ويكتب الشاعر على أساس مواضيع الحكايات التي دونها، حكاياته الشعرية الرائعة التي استطاع فيها ان يقترب من روح الشعر الشعبي وطبيعته. يتوجه بوشكين إلى ماضي روسيا التاريخي ساعياً إلى خلق نموذج للدراما الشعبية. فنراه يبعث في تراجيديته "بوريس غدونوف" عهداً من أحفل العهود الدارمية في التاريخ الروسي – وهو نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر. في هذه التراجيديا عرضت مشكلة العلاقة بين القيصر والشعب بكثير من الحدة. وهي مشبعة بالرفض لطغيان الحكم المطلق. وتراجيديا "بوريس غدونوف" أول نموذج في الأدب العالمي كله للتراجيديا الاجتماعية التاريخية الأصيلة، وفيها لا يتصارع الأفراد فقط، بل وتتقرر "مصائر الشعب". في 14 كانون الأول (ديسمبر) 1825 قامت في بطرسبورغ انتفاضة الديسمبريين _ أعضاء الجمعيات السياسية السرية. وقد تألم بوشكين كثيرا من فشل الانتفاضة، ومن الفجيعة بأحسن أبناء روسيا وأكثرهم تقدمية، فقد كان مع الديسمبريين المنكسرين بكل روحه وأفكاره. إن تنكيل الحكومة القيصرية بالديسمبريين قد هزّ بوشكين بفظاظته، فكتب: "الذين شُنِقوا مضوا، ولكن المريع أن يرسل إلى الأشغال الشاقة 120 من الأصدقاء والاخوان والرفاق". يعود بوشكين إلى موسكو في خريف 1826، فيواصل العمل في مواضيع مستمدة من التاريخ الروسي. فيكتب في عام 1828 قصيدته الوطنية الملحمية "بولتافا". وفيها يتغنى الشاعر بعبقرية بطرس الأول كقائد عسكري ورجل دولة (وهو الرجل العظيم الذي أعاد تكوين روسيا) ويظهر كيف دافع الشعب الروسي عن استقلال وطنه في المعارك الضارية ضد قوات ملك السويد كارل الثاني عشر. وترتبط في نقاط كثيرة بالمشكلة التي تعالجها "بولتافا" قصيدة بوشكين الأخيرة الأكثر نضجاً من الناحية الفكرية والفنية، وهي قصيدة "الفارس النحاسي" (1833). في عام 1830 تم أعظم عمل أدبي، لبوشكين ، هو روايته الشعرية "يفغيني أونيغين". وقد عمل الشاعر في هذا الأثر أكثر من ثمانية أعوام. وقد سمى الناقد الديموقراطي الروسي العظيم بيلينسكي رواية بوشكين "بموسوعة الحياة الروسية". كانت شهرة بوشكين بين معاصريه قد تعدت الحدود. وقويت شعبيته بما كان لشخصيته من جاذبية ونبوغ كلي، ولا سيما ما انعكس في شعره الغنائي بكمال وبهاء. وقد انعكس في شعر بوشكين الغنائي شغفه بالحرية، ومشاعره الوطنية، وإيمانه بمستقبل وطنه، وآراؤه في الفن، والشعر، وتصوره الصداقة والحب. في عام 1831 حدث في حياة بوشكين حادث هام، فقد تزوج بالشابة ناتاليا غونتشاروفا وفي من أجمل حسناوات موسكو. وقد رحل بوشكين قبيل الزواج إلى بولدينو، ضيعة أبيه الصغيرة، ليدبر شؤونه. وهناك أبدع الشاعر في خريف بولدينو الشهير من عام 1830 نفائس أدبه الدرامائي: "التراجيديات الصغيرة" ودراماه الاسطورية "عروسة الماء"، وقصيدته "بيت في كولومنا"، وأول عمل نثري كبير له: "قصص بيلكين". في "قصص بيلكين" ظهرت النزعات الديموقراطية لابداع بوشكين ظهوراً لامعاً . وقد ثمن النقاد والقراء "سحر البساطة العارية" وإيجاز بوشكين الناثر وفنه البياني. وأعلن الكاتب الروسي العظيم ليون تولستوي بصراحة: "... إن أحسن ما لدى بوشكين هو نثره. وعلى الكاتب أن يدرس هذه الذخيرة دون انقطاع... فما أروع "قصص بيلكين" ! أما "ملكة البستوني" فإنها رائعته العصماء". والحق أن قصة "ملكة البستوني" التي كتبها بوشكين في عام 1833 تعتبر نموذجاً للقصة القصيرة من حيث دقة بنائها، وجاذبية حبكتها، ومهارة كتابتها. وقد صور في شخصية هيرمان، الرجل الذي له مظهر نابليون وروح مفيستوفيليس، نموذج "لبطل" جديد – مفترس نفعي. في الثلاثينيات يعمل بوشكين في روايته الاجتماعية الكبيرة "دوبروفسكي" التي لم تظهر إلا في عام 1841، أي بعد مصرع الكاتب التراجيدي. وقد وضعت في أساس موضوع رواية "دوبروفقسكي" حقيقة واقعية من حياة نبيل ليس بالغني هو جار لملاك ميسور الحال استولى على أرضه، وأخرجه من ضيعته. وبطل رواية بوشكين – النبيل الشاب فلاديمير دوبروفسكي- يناوئ العنف والاجحاف. ومغامراته المذهلة، وحبه النبيل الرفيع لابنة المسيئ إليه – ماشا ترويكوروفا- معروضة على خلفية من حياة الملاكين وأخلاقيات ذلك العهد. إلا أن نثر بوشكين يصل إلى ذروة الفن العليا في آخر عمل كبير من أعماله النثرية، وهو قصة "ابنة الآمر" (1836)، التي تعتبر نموذجاً للعمل الأدبي التاريخي الواقعي حقاً. وقد رسم بوشكين في قصة "ابنة الآمر" صورة ساطعة لانتفاضة فلاحية عفوية، وخلق شخصية قائد الفلاحين ايميليان بوغاتشوف. كتب بيلينسكي في تقييم قصة بوشكين هذه أن "ابنة الآمر" شيء يضاهي "يفغيني اونيغين" في النثر. والشاعر يصور فيها أخلاقيات المجتمع الروسي في عهد القيصرة يكاترنيا الثانية. والكثير من الصور معجزة الكمال في صدقها وحقيقة محتواها وبراعة تكوينها". انقضت سنوات بوشكين الأخيرة في ظروف عسيرة، في حالة توتر متزايدة في علاقاته مع القيصر، وعداء للشاعر من جانب الأوساط ذات النفوذ من ارستقراطية بطرسبورغ المرتبطة بالبلاط. قضت المبارزة الفاجعة مع المهاجر الفرنسي دانتيس على حياة الشاعر العظيم في أوج ازدهار موهبته اللامعة. وأصيب بوشكين في هذه المبارزة بجرح بليغ أودى بحياته في 29 كانون الأول (10 شباط) 1837. وقد هزّ موت الشاعر المبكر روسيا كلها. وعبّر ميخائيل ليرمونتوف عن مصاب الشعب وحنقه في قصيدته "موت شاعر" ، وسرعان ما عوقب هذا الشاعر بالنفي جزاء على قصيدته. يعبر الشاعر الروسي الشهير تيوتتشيف عن الحب الذي يكنه الشعب كله لبوشكين، وعن الاعجاب بعبقريته فيقول مجيداً: لن ينساك قلب روسيا، مثل حبه الأول. وفي أيامنا تحققت نبوءة الشاعر في قوله: سيطوّف ذكرتى في أرجاء روسيا العظيمة ويلهج باسمي كل مخلوق بلغته... تصدر مؤلفات بوشكين في ملايين عديدة من النسخ لا في اللغة الروسية وحدها، بل ومترجمة إلى جميع اللغات القومية لشعوب الاتحاد السوفييتي، وهي ذائعة في العالم أجمع. إن المبدعات الفنية الخالدة التي خلقها هذا الشاعر الروسي العظيم قد أغنت الانسانية كلها. المصدر: منتديات مدينة الاحلام Hg;sk]v f,a;dk ahuv v,sdh hgu/dl |
13 - 02 - 2011, 00:33 | رقم المشاركة : [2] | ||
| رد: ألكسندر بوشكين شاعر روسيا العظيم الحرية ... الا ابتعدي عن طريقي يا ربة الأوتار الخافتة اين انتِ , اين انت ايتها العاصفة الرجولية يا مغنية الحرية الفخورة ؟ اقتربي و مزقي اكليلي و حطمي قيثارتي الناعمة اريد أن اتغنى الحرية الإنسانية .و أفضح الرذيلة في عروشها القرية ... آه لو ان لصوتي القدرةَ على ان يهّز النفوس لمَ هذا اللهب المتوقد , عبثاً , في صدري و لم تمنح لي موهبة الكلمة الرهيبة ؟ اتراني ارى شعبنا , يا أصدقائي , و قد تحرر من جور العبودية بأمر من القيصر ؟ أو لم يحن لفجر الحرية الوطيئة الرائع أن يشرق على وطننا اخيراً ؟ 1820 .... السجين في زنزانتي الرطبة أقبع وراء القضبان و النسر الفتي , ربيب ,الأسر رفيقي الحزين , مرفرفاً , بجناحه .ينهش وجبته الدامية عند النافذة ينهشها و يلقي بها , و يتطلع من النافذة .كما لو أنه يشاركني أفكاري إنه ليدعوني بطرفه و صيحته و يود أن ينطق : (هيا بنا ننطلق ... نحن طيران حران , آن لنا أن نمضي بعيداً حيث الجبال بيضاء وراء السحب حيث البحر يتألق زرقةً حيث لن يتجول غير إثنين: الريح و أنا 1821 النبي ... الا انهض يا رسول روسيا و التفّ بهذه الحلةِ المنسوجة من العار و تقدم , و الحبل يشدُ على عنقك .أمام القاتل الكريه 1826 بوشكين : قصائد مختارة - نقلها عن الروسية : حسب الشيخ جعفر - المؤسسة العربية للدراسات و النشر - الطبعة الأولى - 1981 عن موقع : الحوار المتمدن | ||
13 - 02 - 2011, 00:34 | رقم المشاركة : [3] | ||
| رد: ألكسندر بوشكين شاعر روسيا العظيم من سلسلة ” محاكاة القرآن ” i أقسم بالشفع و بالوتر ، أقسم بالسيف و بمعركة الحق ، أقسم بنجمة الصبح ، أقسم بصلاة العصر . كلا ، أنا ما هجرتك . فمَن إذن شملتُ برعايتي ، و أنزلت السكينة عليه ، و حميته من المطاردة القاسية . ألستُ أنا الذي سقيتك من ماء الصحراء في يوم العطش ؟ ألست أنا الذي وهبت لسانك سلطاناً عظيماً على العقول ؟ كُنْ شجاعاً إذن ، احتقر الخداع ، اتبع درب الحق بهمة عالية ، أحبب اليتامى ، و بشر بقرآني للمخلوقات الضعيفة . 2 يا نساء النبي الطاهرات ، يا مَن تتميزن عن كل النساء : بالنسبة لكنَّ مرعب شبح الخطيئة . في ظلِّ الطمأنينة الرغيد عِشْن بتواضع : وجب عليكن حجاب الفتاة العازبة . و لتحفظنَ قلوبكن وفيةً لأجل التنعّم شرعاً و حشمة ، و لكي لا ترى عيون الكفار الماكرة وجوهكن ! و أنتم ، يا ضيوف محمد ، حين تتوافدون للسهر عنده ، احرصوا على ألا تعكروا النبي بشؤون دنياكم . عند تحليق أفكاره بالصلوات هو لا يحب المتحذلقين و الكلام الفراغ غير المحتشم : اكرموا مائدته بوداعة و بانحناء عفيف لزوجاته الشابات . ii على تلال جورجيا على تلال جورجيا يخيم ليل مظلم ؛ و أمامي نهر ” أراغفا ” يهدر . أشعر بالغمِّ و بالراحة ؛ حزني مشرق ؛ حزني بكِ مفعم ، بكِ ، بكِ وحدكِ … لا شيءَ يمضُّ شجني ، لا شيءَ يُقلِق ، و القلب يشتعل من جديد و يعشق – أن لا يعشق هو يعجز . iii بلا عنوان إن خدعتك الحياة ، فلا تحزنْ ، و لا تغضبْ ! في اليوم الشجي اهدأ ، يوم الفرح ، ثق ، لا بد آت . القلب يحيا في المستقبل ، فالحاضر كئيب ! كل شيءٍ عابر ، كل شيءٍ سيمضي ، و ما سيمضي - سيصبح أجمل . iv القوقاز القوقاز تحتي . وحيداً أقف في القمة فوق ركام الثلوج عند حافة التيار المندفع ؛ و نسر ، قد انطلق عن قمة مقابلة ، راح يحلّق بموازاتي في مكانه بثبات . من هنا أرى ولادة الجداول و أولى حركات الانهيارات الثلجية الرهيبة . الغيوم هنا تمشي تحتي بوداعة ؛ و من خلالها ، و هي تتساقط ، تضج الشلالات ؛ و تحتها كتل هائلة لجلاميد عارية ؛ و هناك في الأسفل طحالب هزيلة و شجيرات جرداء ؛ و هناك أيضاً أدغال ، ظلال خضراء ، حيث تزقزق عصافير و تجري أيائل . و هناك أيضاً يعشعش أناس في الجبال ، و تزحف نعجات في التيارات الداهمة ، و يهبط الراعي إلى الوديان البهيجة ، حيث يعدو أراغفا بين الضفاف الظليلة ، و يختبئ في ثغر ٍ فارسٌ بائس ، حيث يعبث تيريك بفرح عارم ؛ يعبث و يئن ، كما الوحش الفتي ، عندما يرى الطعام و هو في قفص من حديد ؛ و يضرب الشاطئَ بعدائية عبثية و يلحس الصخور بأمواجه الجائعة … عبثاً ! لا طعام يوجد له و لا سلوى : فالجلاميد الضخمة الصماء تضيق الخناق عليه بشراسة . 1829 ترجمة: د. ابراهيم استنبولي وهنـا ( بوشكين: شاعر الإنسانية الخيرة .. قصيدة (محاكاة القرآن) ) يتبع مع إحدى مؤلفات بوشكين النثرية | ||
13 - 02 - 2011, 00:36 | رقم المشاركة : [4] | ||
| رد: ألكسندر بوشكين شاعر روسيا العظيم عاصفة ثلجية
في نهاية عام 1811 ، في عهدنا المشهود، كان يعيش في ضيعة نينارادوفو الطيب الذكر غفريلا غفريلوفيتش ... وكان مشهورا في منطقته بحسن الضيافة، وطيب العشرة؛ وكان الجيران يترددون عليه ليأكلوا، ويشربوا، ويلعبوا مع زوجته البوستون* بخمسة كوبيكات. وكان البعض يأتي ليمتع نظره بابنته ماريا غفريلفوفنا ، الفتاة الهيفاء، الشاحبة، ابنة السبعة عشر ربيعا. وكانت تعتبر عروساً غنية، وكثيرون أرادوها لهم أو لأبناءهم. وكانت ماريا غفريلفوفنا قد تربّت على الروايات الفرنسية، فكانت، بالنتيجة، عاشقة. وكان الذي اختارته لنفسها ضابطا بائسا برتبة ملازم ثاني جاء يقضي إجازته في قريته. وطبيعي أن الشاب كان يلتهب بنفس العاطفة. ولما أحس والدا محبوبته بهواهما المتبادل حرما على ابنتهما حتى التفكير به، أما هو فقد استقبل أسوأ مما يُستقبل به مُحَلّف متقاعد. كان عاشقان يتبادلان الرسائل، ويلتقيان كل يوم خلسة في دغل أشجار الصنوبر، أو قرب الكنيسة الصغيرة القديمة. وهناك كانا يتعاهدان على الوفاء لحبهما إلى الأبد، ويندبان القدر، ويستعرضان مختلف الفروض. وبتراسلهما وأحاديثهما على هذه الصورة توصلا (وهذا شيء طبيعي) إلى هذه الفكرة: إذا كان أحدنا لا يستطيع العيش بدون الآخر، وارادة الوالدين القاسيين تقف دون رفاهنا، أفلا يجوز لنا تجاوز هذه الارادة؟ وطبيعي أن هذه الفكرة الموفقة خطرت في ذهن الفتى أول ما خطرت، وراقت كثيرا لخيال ماريا غفريلفوفنا الرومانسي. حلّ الشتاء، وانقطعت لقاءاتهما. الا أن رسائلهما صارت أنشط. وكان فلاديمير نيقولايفيتش يتوسل في كل رسالة أن تستجيب له، وتتزوجه سرا، وأن يعيشا في الخفاء فترة من الزمن، وبعد ذلك يرتميان على أقدام والديهما، اللذين سيتأثران أخيرا، طبعا، بحبهما البطولي الطويل وتعاسة العاشقين، وسيقولان لهما بالتأكيد: يا ولدينا! تعالا إلى حضنينا. ترددت ماريا غفريلفوفنا كثيرا، ورفضت العديد من خطط الهرب. ووافقت آخر الأمر. كان عليها في اليوم المحدد ألا تحضر العشاء، وأن تختلي في غرفتها متعذرة بالصداع. وكانت وصيفتها على علم بما دُبِّر، فكان عليهما ، كلتيهما، أن تخرجا إلى الحديقة زلاجة مهيأة لنقلهما إلى قرية جاردينو، على بعد خمسة فراسخ من نينارادوفو ، وهناك تتوجهان تواً إلى الكنيسة، حيث يكون فلاديمير في انتظارهما فيها. في عشية اليوم الحاسم لم تنم ماريا غفريلفوفنا طوال الليل؛ فقد جمعت حاجاتها، وصرت ثيابها وفساتينها، وكتبت رسالة طويلة إلى فتاة رقيقة القلب هي صديقتها، وأخرى إلى والديها. ودعتهما بأرق العبارات، واعتذرت لفعلتها بقوة الحب العارمة، وانهتها بأنها تعتبر أسعد لحظة في حياتها هي تلك التي سيتاح لها فيها أن ترتمي على أقدام والديها العزيزين. وختمت كلتا الرسالتين بختم تولا الذي رسم عليه قلبان متحابان مع عبارة معتبرة. وألقت نفسها على الفراش قبيل الفجر، وغلبها النعاس: إلا أن الأحلام الرهيبة كانت توقظها بلا انقطاع. مرة تراءى لها أن أباها أوقفها ما أن جلست في الزلاجة لتذهب لعقد قرانها، وأنه جرها على الثلج بسرعة مؤلمة، وألقاها في غيهب متجمد جمدا لا يوصف. ومرة أخرى رأت فلاديمير مطروحا على العشب ممتقعا مدمى. كان، وهو يحتضر، يتضرع إليها بصوت نافذ أن تسرع إلى الكنيسة وتتزوجه.. وأحلام أخرى شوهاء لا معنى لها مرقت أمامها متتابعة. وفي آخر الأمر نهضت أكثر شحوبا من المعتاد، وبصداع حقيقي. لاحظ أبوها وأمها اضطرابها، فتمزق قلبها بحنانهما الرقيق وباسئلة لا تنتهي: ماذا بك، يا ماشا؟ هل أنت عليلة، يا ماشا؟ حاولت أن تهدئهما، وأن تبدو مرحة، ولم تستطع. وجاء المساء. وعصرت قلبها فكرة أنها ستقضي آخر يوم بين عائلتها. فكانت الحياة لا تكاد تدب فيها: ودّعت بسرعة جميع الأشخاص، جميع الأشياء المحيطة بها. قُدّم العشاء؛ وبدأ قلبها يخفق بشدة. أعلنت بصوت مرتجف أنها لا تريد أن تتعشى، وأخذت تودع أباها وأمها. قبّلاها، وباركاها بالدعاء كالعادة: وكادت تنفجر باكية. وحين عادت إلى حجرتها ارتمت على مقعد، وانهمرت دموعها. توسلت إليها وصيفتها أن تهدأ، وتتشجع. كان كل شيء مهيأ . بعد نصف ساعة كان على ماشا أن تغادر إلى الأبد بيت الأبوة، وغرفتها ، وحياتها الهادئة، حياة آنسة.. في الخارج كانت عاصفة ثلجية. كانت الريح تعول. وصفاقات النوافذ تهتز وتصفق. وبدا كل شيء لها وعيدا، ونذيراً منحوسا. وسرعان ما هدأ كل شيء في البيت، ونام. لفت ماشا جسمها بشال، وارتدت معطفا سميكا، ووضعت بيدها علبة مجوهراتها، وخرجت إلى مدخل البيت الخلفي. حملت الوصيفة وراءها صرتين. خرجت الفتاتان إلى الحديقة، والعاصفة الثلجية لم تهدأ ؛ وهبّت الريح في وجهيهما وكأنها تجاهد لتوقف الآثمة الصغيرة. وصلتا إلى نهاية الحديقة بعد لأي. وكانت الزلاجة في الطريقة بانتظارهما. كانت الخيول من شدة البرد لا تستقر في مكان واحد. وكان حوذي فلاديمير يروح ويجيء أمام عريش العربة ممسكا بالخيول الجامحة. ساعد الآنسة ووصيفتها على الجلوس في الزلاجة، ووضع الصرتين والعلبة ، وأمسك بالرسن. فانطلقت الخيول. أما نحن فلنعد إلى عاشقنا الشاب بعد أن سلمنا الآنسة لعناية القدر وفن تيريشكا الحوذي. * نوع من أنواع لعب الورق. . . قضى فلاديمير اليوم كله في رواح ومجيء. في الصباح كان عند قس جادرينو، وأقنعه بعد جهد جهيد. ثم ذهب ليبحث عن شهود من بين أصحاب الأطيان المجاورين. وكان أول من توجه إليه ضابط فرسان متقاعد في الأربعين من العمر يدعى دارفين، وقد قبل عن طواعية قائلا أن تلك المخاطرة تذكره بالزمن القديم، وملاعب الفرسان. وأقنع فلاديمير على أن يبقى عنده للغداء مؤكدا أن إيجاد شاهدين آخرين أمر سهل. وبالفعل ظهر بعد الغداء. بوقت قصير مسّاح الأرض شميت بشاربيه ومهمازيه، وابن رئيس شرطة القضاء، وهو فتى في السادسة عشرة وكان قد دخل فوج الخيالة الخفيفة قبل فترة وجيزة. وافق هذا على اقتراح فلاديمير، بل واقسما له على أنهما مستعدان للتضحية في سبيل حياته. عانقهما فلاديمير شديد الغبطة، وذهب إلى بيته ليأخذ أُهبته. كان الغسق قد هبط منذ وقت طويل. أرسل فلاديمير حوذيه الأمين تيريشكا مع زلاجته "ترويكا"* وتعليمات مسهبة مفصلة ، وطلب أن تجهز له زلاجة صصغيرة يجرها حصان واحد، واتجه لوحده، وبدون حوذي، إلى جاردينو، حيث كان يجب أن تصل إليها ماريا غفريلوفنا أيضاً في غضون ساعتين. كانت الطريق مألوفة له، وهي لا تستغرق أكثر من عشرين دقيقة. ولكن ما كاد فلاديمير يترك طرف القرية إلى الخلاء، حتى هاجت الريح، وهبت عاصفة ثلجية عاتية لم تدعه يرى أي شيء. وفي لحظة واحدة اختفت الطريق؛ وتوارت معالم الأشياء، في ظلمة كدرة مصفرة تطايرت خلالها ندف الثلج البيضاء، وانطبقت السماء على الأرض. ووجد فلاديمير نفسه في أرض فضاء، وحاول عبثاً أن يعود إلى الطريق؛ كان الحصان يسير خبطَ غشواء، فيغوص تارة في كومة ثلج، ويقع أخرى في حفرة. وكانت الزلاجة تنقلب كثيرا. جاهد فلاديمير أن يلتزم الاتجاه الصحيح. ولكن بدا له أن أكثر من نصف ساعة قد انقضى، ولم يصل بعد إلى حرش جادرينو. ومضى نحو عشر دقائق أخر؛ والحرش لم يلح بعد لعينيه. كان فلاديمير يسير في حقل تتخلله وهدات عميقة. ولم تهدأ العاصفة الثلجية، ولم تتكشف السماء. وأخذ الحصان يتعب، وتصبب العرق من جسمه مدرارا رغم أنه كان يغوص إلى النصف في الثلج من لحظة إلى أخرى. وفي آخر الأمر عرف فلاديمير أنه لا يسير في الجهة المقصودة، فتوقف. وشرع يفكر، ويتذكر، ويتروى، وتيقن أنه كان عليه أن يتجه يمينا. سار إلى اليمين. وكان حصانه لا يكاد يسير. وكان قد أمضى أكثر من ساعة، وهو في الطريق. وكان ينبغي أن تكون جادرينو على مسافة غير بعيدة. ولكنه ظل يسير، ويواصل السير، وما للحقل من آخر. توالت أكوام الثلج والوهدات؛ والزلاجة تنقلب من لحظة إلى أخرى، فكان يرفعها باستمرار. ومضى الوقت، وأخذ فلاديمير يقلق قلقاً شديدا. وفي آخر الأمر لاحت معالم شيء في جانب. انعطف فلاديمير نحوه. ولما اقترب رأى حرشا. وفكر في نفسه: حمدا لله، قَرُب المكان الآن. سار بمحاذاة الحرش آملا أن يعثر في اللحظة التالية على الطريق المألوف، أو يدور حول الحرش. وكانت جادرينو تقع وراء الحرش مباشرة. وبعد قليل اهتدى إلى الطريق، ودخل في عتمة أشجار عرّاها الشتاء. الريح هنا لم تكن قادرة على أن تستبد، وكان الطريق ممهدا، وردت بعض الحيوية إلى الحصان ، وهدأ فلاديمير. إلا أنه ظل يسير، ويسير، وجادرينو لم تكن على مرأى البصر، والحرش بلا آخر. وأدرك فلاديمير بذعر أنه دخل غابة غير معروفة له. وتملكه يأس وراح يسوط الحصان. انطلق الحيوان المسكين في عَدْو سريع، ولكنه سرعان ما تباطأ، وبعد ربع ساعة تحول إلى المشي، رغم كل ما بذله فلاديمير البائس من جهد. وأخذت الأشجار تقل شيئاً فشيئاً، وخرج فلاديمير من الغابة، وجادرينو لم تكن على مرأى البصر. لا بد أن الليل قد قارب الانتصاف. وطفرت الدموع من عينيه. سار خبط عشواء. وقد هدأ الجو، وتبددت السحب، وانداح أمامه سهل منبسط مفروش ببساط أبيض متموج. كان الليل قد صفا كثيرا. ورأى غير بعيد عزبة صغيرة تتألف من أربعة أو خمسة بيوت. سار فلاديمير فيها، ونزل من الزلاجة عند أول بيت فيها، وهرع إلى نافذة، وأخذ يطرقها. وبعد بضع دقائق ارتفعت الصفاقة الخشبية، وأخرج شيخ لحيته الشيباء: - ما حاجتك؟ - هل جادرينو بعيدة؟ - المسافة حتى جادرينو؟ - نعم، نعم، هل هي بعيدة؟ - ليست كثيراً، زهاء عشرة فراسخ. أمسك فلاديمير بشعره لدى سماعه هذا الجواب، وجمد مثل رجل حكم عليه بالموت. تابع الشيخ قوله: - من أين أنت؟ لم تكن في نفس فلاديمير رغبة في أن يرد على أسئلة. قال: - هل في وسعك، أيها الشيخ، أن تحصل لي على خيول تأخذني إلى جاردينو؟ أجاب الشيخ: - لا خيول عندنا. - وهل لي أن أجد دليلا على الأقل؟ سأدفع له ما يشاء. قال الشيخ وأطلق الصفاقة: - انتظر. سأبعث ولدي معك، وسيدلك. أخذ فلاديمير ينتظر. وقبل أن تنقضي دقيقة شرع يطرق من جديد. ارتفعت الصفاقة. وظهرت اللحية: - ما حاجتك؟ - أين ولدك؟ - سيخرج الآن. إنه يلبس حذاءه. هل أنت تشعر بالبرد؟ ادخل وتدفأ. - شكرا، أسرع في إرسال ولدك. صرّ الباب، وخرج فتى يحمل عصا، وسار في المقدمة مشيراً تارة، واجدا أخرى الطريق الذي غطته أكوام الثلج. سأله فلاديمير: - كم الساعة؟ أجاب الفلاح الفتى: - سيطلع الفجر عن قريب. ولم ينبس فلاديمير بعد ذلك بكلمة واحدة. صاحت الديكة، وتنورت الدنيا حين وصلا إلى جادرينو. كانت الكنيسة مقفلة. دفع فلاديمير للدليل وذهب إلى القس. في فناء بيته لم تكن زلاجته "تروكيا" هناك. وما من خبر كان في انتظاره! ولكن لنعد إلى العائلة الطيبة في نينارادوفو، ولنر ماذا حدث هناك. * ترويكا بالروسية عربة تجرها ثلاثة خيول. . . لا شيئ. استيقظ العجوزان، وخرجا إلى غرفة الجلوس. غفريلا غفريلوفيتش في طرطور المنام وسترة من الفانيلة. وبراسكوفيا بيتروفنا في جلباب منزلي مبطن بالقطن. وجلِب السماور، وأرسل غفريلا غفريلوفيتش الوصيفة لتسأل ماريا غفريلوفنا عن صحتها، وكيف قضت ليلتها. وعادت الوصيفة معلنة أن الآنسة نامت نوماً سيئاً، وكلن حالها أحسن الآن، وأنها ستأتي بعد قليل إلى غرفة الجلوس. وهذا ما كان، فقد فتح الباب، وأقبلت ماريا غفريلوفنا تحي أباها وأمها. سأل غفريلا غفريلوفيتش: - كيف رأسك، يا ماشا؟ أجابت: - أحسن يا أبي. قالت براسكوفيا بيتروفنا: - ربما سممك السخام بالأمس، يا ماشا. أجابت ماشا: - ربما، يا أمي. وانقضى النهار بخير. إلا أن حالة ماشا قد ساءت في الليل. فأرسلوا إلى المدينة لاستدعاء الطبيب. ووصل الطبيب عند المساء، ووجد المريضة في هذيان. وتبين أنها مصابة بحمى حادة، وبقيت المريضة المسكينة على شفا القبر أسبوعين. لم يكن أحد في البيت يعلم بمشروع الهروب. أحرقت الرسالتان اللتان كانت قد كتبتهما في عشية الهرب، ولم تخبر وصيفتها أحداً بشيء خوفاً من غضب السيد والسيدة. والتزم القس، وضابط الفرسان المتقاعد، ومساح الأرض المشورب، والفارس الشاب من الخيالة الخفيفة جانب الرزانة. وليس دون مقابل. أما الحوذي تيريشكا فلم يحدث أن أفضى بشيء زائد عن اللزوم، حتى وهو سكران. وهكذا كتم السر أكثر من نصف دزينة من المتواطئين. إلا أن ماريا غفريلوفنا نفسها أفشت السر في هذيان مستديم. ولكن كلماتها كانت متنافرة جدا، حتى أن أمها التي لم تغادر فراشها لم تستطع أن تفهم منها إلا أن ابنتها كانت متيمة بفلاديمير نيقولايفيتش، وأن الحب، ربما، كان السبب في مرضها. وتشاورت مع زوجها، ومع بعض الجيران، وفي آخر الأمر انتهى الجميع إلى قرار بالاجماع هو أن هذا كان حظ ماريا غفريلوفنا، على ما يبدو، وأن الانسان يتزوج مَنْ كُتِبَ له أن يتزوجه وأن الفقر ليس نقيصة وأن الانسان يعيش مع انسان وليس مع ثروة، وما شابه ذلك. وأحكام الأخلاق قد تكون مفيدة فائدة مذهلة في الأحوال التي نكون فيها غير قادرين على أن نبتكر تبريرا لأنفسنا. وخلال ذلك أخذت الآنسة تتماثل إلى الشفاء. وظل فلاديمير منقطعا عن بيت غفريلا غفريلوفيتش فترة طويلة. قرروا أن يستدعوه ويبلغوه بالخبر السار المفاجئ: الموافقة على الزواج. ولكن كم كانت دهشة أصحاب ضيعة نينارادوفو عظيمة حين تلقوا منه في الرد على دعوتهم رسالة شبه جنونية! فقد أبلغهم أن قدمه لن تطأ عتبة دارهم أبدا، وطلب أن ينسوا البائس الذي يبقى الموت الأمل الوحيد له. وبعد عدة أيام عرفوا أن فلاديمير قد رحل إلى الجيش. وكان ذلك في عام 1812. ظلوا زمنا طويلا يكتمون هذا الخبر عن ماشا الناقهة. ولم تكن ماشا تذكر فلاديمير قط. وبعد بضعة أشهر وجدت اسمه في عداد مَنْ أبلوا بلاء حسنا قرب بورودينو وجرحوا جراحا بليغة. فأغمى عليها: وخشى أهلها أن تعود الحمى إليها. إلا أن الإغماء، والحمد لله، لم يخلف عواقب. ونزلت بها فاجعة أخرى. فقد قضى غفريلا غفريلوفيتش نحبه، وخلقها وريثة وحيدة للضيعة كلها. إلا أن الميراث لم يُسرِّ عنها، فشاطرت براسكوفيا بيتروفنا التعيسة مصابها عن اخلاص، مقسمة اليمين على ألا تفارقها أبدا. وتركت كلتاهما نينارادوفو، موطن الذكريات الاليمة، وسافرتا لتعيشا في ضيعة ن... وفي هذه الضيعة أيضاً حام الخطاب حول الآنسة الحلوة الثرية، إلا أنها لم تعط أحدا منهم أي أمل. كانت أمها تقنعها أحيانا بأن تختار لها صاحباً؛ إلا أن ماريا غفريلوفنا كانت تهز رأسها ، وتغرق في تفكير. وكان فلاديمير قد فارق الدنيا، فقد توفي في موسكو عشية هجوم الفرنسيين. وصارت ذكراه مقدسة عند ماشا؛ وعلى أقل تقدير حرزت على كل شيء يذكرها به: الكتب التي قرأها، ورسومه، والنوطات والأشعار التي استنسخها لها. وعندما عرف الجيران بكل ذلك، أعجبوا ببقائها على العهد، وانتظروا بفضول البطل الذي لا بد أن ينتصر، أخيرا ، على الوفاء المفجع لارتميزا* العذراء. وفي غضون ذلك انتهت الحرب مكللة بالمجد، وعادت أفواجنا من خارج الوطن. وخرج الناس لاستقبالها. وعزفت الموسيقى أناشيد البلدان المغلوبة عليها: Vive Henri-Quatre * وألحان الفالس التيرولية، ومعزوفات من اوبرا جوكوندا. والضباط الذين خرجوا في الحملة، وهم صبيان تقريبا، عادوا وقد نضجت رجولتهم في جو الحرب، وهم يعلقون النياشين في صدورهم. وكان الجنود يتحدثون فيما بينهم مرحين، تتخلل كلامهم كلمات ألمانية وفرنسية من حين لآخر. فيا له من زمن لا ينسى! زمن المجد والفرح الفاخر! ما أشد خفقان القلب الروسي حين كان يسمع كلمة وطن! وما أعذب دموع اللقاء ! وبأي اجماع كنا نربط بين مشاعر الفخر الشعبي والحب نحو القيصر! ثم أية لحظة عظيمة كانت للقيصر! كانت النساء ، النساء الروسيات، آنذاك لا يُضارعن. اختفت برودتهن المألوفة. وكانت نشوتهن فتانة حقا، حين كن يهتفن مرحى! لدى استقبالهن الظافرين. وألقين القلنسوات في الهواء. ومَنْ من الضباط آنذاك لا يقربانه كان مدينا للمرأة الروسية بأفضل وأثمن جائزة؟.. في ذلك الزمن الزاهي كانت ماريا غفريلوفنا وأمها تعيشان في ولاية ك..، فلم تريا كيف احتفلت العاصمتان بعودة القوات. إلا أن الفرحة العامة في الأقضية والقرى ربما كانت أشد. فإن ظهور ضابط في تلك المناطق كان مهرجانا حقيقيا له، والمعشوق في ثياب مدنية سيء الحظ إلى جواره. • ارتميزا هي أرملة القيصر في هليقرناس (اليونان القديمة، القرن الرابع قبل الميلاد) كانت تعتبر رمزا للزوجة الوفية. • عاش هنري الرابع. (بالفرنسية) | ||
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
ألكسندر, العظيم, بوشكين, روسيا, شاعر |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الاستغفار | DreamsCity | القسم الاسلامي | 8 | 02 - 06 - 2010 11:13 |
افتح لوسمحت اخي الكريم | بكيل | القسم الاسلامي | 2 | 30 - 08 - 2009 02:46 |
استغفر الله العظيم | الرعد | القسم الاسلامي | 0 | 29 - 06 - 2009 23:07 |
الحرب العالمية الأولى | الاخبـــار | المنقولات العـــامة | 3 | 18 - 09 - 2008 14:28 |
Powered by vBulletin Version 3.8.7 Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd ترقية وتطوير: مجموعة الدعم العربى |