|
|
#1
| |||||||
| |||||||
مذكرات مراهق في سن اليائس - كلّ ما يُمكنني قوله لا يمكنني إحساسه؛ وليس كل ما أقوله بالضرورة أحسه؛ فقد تمادى بنا الزمان إلى ما بعد أحلامنا ولا يوجد بعد الأحلام غير الكوابيس. وتتركني فجأة.. مثل قلعة قديمة مهترئة رمَتْها بوابل من المتفجرات حتى تُنَفّس عن مكبوتاتها؛ أو مثل قطعة جليد طلعت عليها شمسُ آب؛ لم أعد أحس بعُنفواني وطرحت لباسَ الوقار جانبا كما تخليت طواعية عن مقاماتي السامية؛ ورميت بمنصب الرئيس المدير العام لعموم شركات الموانئ؛ بينما لا نزال واقفَيْن على رصيف متآكل وبعض رذاذ مطر ربما كان يداعبنا أو يغازلنا على أي حال لم نكن نأبه له كما لم نكن نعبأ به بقدر ما كنا نصارع اللحظة التي لا لقاء بعدها؛ هي تقول أنّ ريحَ هذا الخريف عاتيةً ولا مفرَّ من الإستسلام لها.. أنا لم أستسلم يوما ولم أستسلم أيضا لهكذا موقف كنت دائما سيد المواقف بل كنت أحيانا أصطنعها؛ أما اليوم فها هي نشوى تذكر لي أن ما بعد الأحلام غير الكوابيس؛ ربما لأنني أحببتها فعلا فإن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن.. أيمكن أن يكون لاسمها نشوى دخل في الموضوع؛ أقرَّت أمامي أن وراء كل رجل عظيم امرأة تسعى إلى تحطيمه؛ لقد كانت البداية بالسيد آدم؛ وهكذا ذكرت لي؛ إنني أذكر ما وقع لي معها بكل حياد؛ إذ ليس لي مصلحة في اختلاق رواية قد تضرُّ بمن حسبتُ يوما أنني أحبها؛ أنا ذلك الرجل الذي نادرا ما يخفق قلبه وإذا ما خفق فهو نادرا ما يتوقف عن الخفقان. على العكس من كل المخلوقات فوق هذا الكوكب البائس هي تجد نفسها خاطئة وعبثا تحاول نسيان كونها خاطئة وعبثا تحاول نسيان كونها ابنة الخطيئة؛ ولأنها عبثت بالسيد آدم فإن نواميس الكون تُذكّرها كل شهر وتقول لها أنت غير طاهرة؛ وتذيقها عذابات ذلك الكائن البريء الذي وثق فيها ذات يوم وأسلمها قلبه؛ أعجَبُ لها؛ تأتي أشياء لا تعلم معناها إنما هي من باب المفاخرة تذهب أي مذهب؛ وضحكت مرة عندما كنت رفقتها نتناول عشاء فاخرا؛ سألتها عن استعمالها لـ أحمر شفاه ذي لون بنفسجي؟ ظنت أنني أستهزئ بها ولم تعلم أن أحمر الشفاه لغة إنسان ما قبل التاريخ وقلت لها ضاحكا: - أنت عذراء - حسب علمي لحد الساعة - غير أنك تضعين أحمر شفاه بنفسجي اللون؟.. - وما العجب في هذا؟ سألت مكابرة؛ - إن أحمر شفاه بنفسجي اللون دلالة على عدم عذرية المرأة عند إنسان ما قبل التاريخ.. - إنك تمزح؛ قالتها بسخرية.. - كما أن اللون الأحمر دلالة على العذرية؛ والوردي للعادة الشهرية؛ واصلت كلامي. - دعنا من هكذا مواضيع؛ قالت.. وأظهرت عدم ارتياح؛ ربما لا تريد هزيمة أخرى شأنها شأن نساء الأرض. لم يتبق أمامي ساعتها غير صحن الشوربة أتيت على ما فيه دون أن أزيد كلمة واحدة.. ربما أنا أيضا لم أُرد هزيمة أخرى.. بينما كنت أتابع خيالاتي مثل مراهق يطارد خيط دخان انتشلتني من وجومي وكررت كلامها: - لا يوجد بعد الأحلام غير الكوابيس؛ سكتَتْ برهة؛ أردفت بعدها: أليس كذلك؟.. هي لا تنتظر تأكيدي بقدر ما كانت تستعد للوقوف ثم الإنصراف؛ هي كانت تنظر إلى مرآتها الصغيرة التي لا تفارقها أبدا – أخرجتها من حقيبة اليد – تعدل زينتها وتراجع تسريحة الشعر؛ فتمر تلك اللحظات رغم ضآلتها دهرا؛ ضقت ذرعا بتلك اللحظات؛ وددت لو أنني ما عرفتها؛ كما وددت ووددت أشياء كثيرة؛ العمر يمضي بنا إلا أن ما نودّه لا يتحقق أبدا حتى أن بعض ما نظنه قد تحقق إنما هو سراب لا يلبث أن يتلاشى؛ ألم أقل أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن؛ لم يعد في استطاعتي الصبر ونحن في ذلك الركن الذي يكاد يخلو من المرتادين في مثل هذا الوقت؛ كان الزمان بداية خريف لكننا فضلنا الجلوس في منتجع الساحل الشرقي؛ الرابض في أحد الخلجان؛ رغم رياحه الباردة ؛ ربما لأنه يذكرنا بأول لقاء بيننا. وتعود بي الذكرى إلى أول لقاء.. كان لقاءً رتيبا تخلله سوءُ فهم؛ تخلله تناوشٌ بيننا؛ ثم ما لبثت سحابة الصيف أن انجلت.. وتوالت اللقاءات؛ أغلبها في هذا المنتجع؛ كان كلانا وفيا للذكرى ولم نَكُ نَدْر أننا صرنا أسرى لهذه الذكرى؛ هي ليست ذكرى لعينة بالضرورة غير أنها بمرور الأيام صارت ذكرى مقيتة تصيبني بالدوار والغثيان؛ يجيئني كلامها مرة أخرى: - ألا نقوم؟ - بلى.. ولم نقم.. كلما جلسنا؛ نتخاصم؛ نتشاجر؛ تسألني بقولها ألا نقوم.. أجيبُها بقولي بلى ثم لا نقوم؛ نظل صامتَيْن زمنا طويلا لا يُكلّم أحدُنا الآخر؛ أكانت هي الأخرى تتابع خيالات مثل مراهقة تطارد خيط دخان؛ أتُراها تفكر فيما أفكر فيه؟.. لا أدري كم مرّ من الزمن ونحن على تلك الحالة؛ لم يعد بمقدور الكلمات فعل شيء.. لم يعد بمقدور النظرات فعل شيء.. لم يعد بمقدورنا فعل شيء.. نادل المكان وحده يدرك ما ينتظرنا.. إنما نحن فصل من فصول مسرحية داوم على متابعتها أكثر من ثلاثة عشر عاما – ذكر لنا مرة أن له ثلاثة عشر عاما خدمة في هذا المنتجع – هو يعرف ما ينتظرنا؛ وهو يرى في وجهينا وجوه آلاف العابرين؛ إنه أول من قال لنا أن ما بعد الأحلام غير الكوابيس. انفلتت رغما عني زفرة عميقة عندما وصلت إلى السطر الأخير في مُدَوّنتي.. أطبقتُ الكراس المتآكل بين يديَّ؛ أعدتها إلى جيب سترتي القديمة المهترئة؛ ما عاد بمقدوري الإسترسال عبر خيوط الماضي؛ لقد كانت نشوى لحنا أنعشني ذات زمان – منذ ست سنوات - ظل وقتا نشازا غير أن النشاز أحيانا يخدعك جماله ثم لا يلبث يترك ندبة غائرة بادية للعيان؛ لذا لم يبق من كلامها غير ما تلفّظَتْ به قبل وداعي قائلة: - يا سيد آدم.. إن وراء كل رجل عظيم امرأة تسعى إلى تحطيمه.. فلا يوجد بعد الأحلام غير الكوابيس. كررت بيني وبين نفسي قولها.. حقا لا يوجد بعد الأحلام غير الكوابيس.. رفعتُ عينيَّ الغائرتين في محجريهما صوب أحد المارة - كان لساني يلهج بحمده - وهو يدفع بقطعة نقدية من فئة الخمس دنانير إلى يدي وأنا قابع كعادتي عند مدخل منتجع الساحل الشرقي منذ ست سنوات؛ ويستمر الكابوس.. المصدر: منتديات مدينة الاحلام l`;vhj lvhir td sk hgdhzs |
01 - 08 - 2008, 20:38 | رقم المشاركة : [2] | |||
| مشكور اخي الغالي على الموضوع الرائع | |||
01 - 08 - 2008, 21:24 | رقم المشاركة : [3] | |||
| يسلمو علي المقاله الرائعه و النقل الجميل مشكور و ننتظر جديدك | |||
13 - 08 - 2008, 17:58 | رقم المشاركة : [4] | ||
| مشكور يا الغالي على الموضوع الرائع اخوك المخلص ابن حماس | ||
14 - 08 - 2008, 20:56 | رقم المشاركة : [5] | ||
| شكرا جزيلا لك مني فائق التقدير و الاحترام | ||
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
Powered by vBulletin Version 3.8.7 Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd ترقية وتطوير: مجموعة الدعم العربى |