|
|
#1
| ||||||
| ||||||
الأمثال فوائد وشواهد الأمثال فوائد وشواهد الحمد لله قيوم السماوات والأرض ، ونور السماوات والأرض ، خالق السماوات والأرض ، ومالك السمـاوات والأرض ، ومصـرف ما في السماوات والأرض ، له الحمد وبيده الملك ، وهو على كل شيء قدير ، نحمده سبحانه وتعالى ، تعددت آلائه ، وتعاظمت نعمائه ، وجل ثنائه ، وكثر عطائه ، فله سبحانه وتعالى ، الحمد كما ينبغي لجلاله وعظيم سلطانه ، على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى ، حمداً كما يحب ربنا ويرضى . والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، سيد الأولين والآخرين ، نبينا محمد الصادق الوعد الأمين ، قائد المتقين ، وقائد الغر المحجلين إلى جنات نعيم ، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، وعلى آله وصحابته ومن اقتفى أثره ، ونهج نهجه إلى يوم الدين ، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين . ربنا اشرح صدورنا ونور قلوبنا ، وسكن نفوسنا ، وثبت على طريق الحق أقدمنا ، وحقق في طاعتك ومرضاتك آمالنا ، اللهم إن نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى ، وأن تجعلنا هداة مهديين ، اللهم خذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد ، وألهمنا الرشد والصواب ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وأنفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ينفنا ، ويرفعنا ، عندك يا رب العالمين . أما بعد أيها الأخوة الكرام الأحبة : سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ... ويتجدد موعدنا مع هذا الدرس ، الذي رقمه في هذا اليوم ، الحادي والأربعين ، بعد المائة ، ويعقد في يوم الجمعة ، الحادي عشر من شهر رجب عام سبعة عشر وأربعمائة وألف . يقول الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح: ونحن نعلم أن أساليب الكلام متنوعة ، وأن وجوه القول ، مختلفة ، وأن الطريق إلى إقناع العقول ، واستمالة القلوب ، وجذب النفوس ، يحتاج إلى إلماماً بهذا التنوع والاختلاف في أساليب القول ، التي لها آثارها ، فيما يتصل بالإقناع والمحبة ، والتوجيه . والأمثال باب ، من أبواب القول ، وهي في الوقت نفسه ميدان من ميادين التربية ، فهناك التربية بالقدوة ، والتربية بالقصة ، والتربية أيضاً بضرب الأمثال . فالله عز وجل ، له الحكمة البالغة ، وكتابه وآياته وكلامه سبحانه وتعالى ، هو البالغ الذروة ، في الجودة ، والإتقان ، والصحة والإصابة ، إضافة إلى قوة الإقناع ، وشدة التأثير . والله جل وعلا في كتابه وكلامه ، العزيز قد ضرب الأمثال ، وأكثر من ذكرها ، ونوع من صـور عرضها ، وما ذلك قطعاً إلا بما فيها من الأثر والفائدة . والله سبحانه وتعالى قد قال في شأن الأمثال : { وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ } [ العنكبوت:43 ] . وقال جل وعلا : { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [ الحشر:21 ] . وبيّن الحق - جل وعلا - أن الأمثال وضربها ، ليس عبثاً ، وإنما يشتمل ، على حكمة ، ودعوة ، وعلى تربية ، وتوجيه ، يتحقق به ما لا يتحقق بغيره . ومن ثم رأيت أن نقف ، في هذا الدرس ، مع الأمثال ، لنعرفها ، ونعرف شروطها ، ثم نعرج على فوائدها ، ونذكر بعض شواهدها ونبدأ : أولا:ً معنى الأمثال المثل في اللغة : اشتقاقه من المادة الثلاثية " الميم ، والثاء ، واللام " . قال ابن فارس : " هذا الأصل ، أصل صحيح ، يدل على مناظرة الشيء ، ومثل هذا ، أي نظيره ، والمثل والمثال ، في معناً واحد ، والمثل هو المثل أيضاً ، كشبه وشبه ، والمثل المضـروب مأخـوذ من هذا ، لأنه يذكر أموراً به ، عن مثله في المعنى " وهذا كلام ليس فيه صعوبة . معنى هذا الكلام هو أن المثل : مشتق من هذا أصل الثلاثي الذي يدل على المناظرة . فشيء مثل شيء ، أي هو نظيره ، وشبيهه ، والمثل والمثال بمعنى واحد . ومن ثم ؛ فإن المعنى اللغوي ، في المثال ، أو في المثل ، يدور على المقاربة ، والمشابهة ، والمناظرة . وقال الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن : " مثل أصل المثول والانتصار، والممثل المصور على مثال غيره " ومن ذلك حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( من أحب أن يمثل له الرجال فليتبوأ مقعده من النار ) أو ( أن يتمثل له الرجال ) يتمثل : أي ينتصبوا واقفين . والأمثولة والمثول :يقولون فلان مثل بين يدي فلان . مثل : أي انتصب ووقف . لأنه كان في مواجهته ، وقبالته . ومن ثم ما معنى المثل على هذا سيأتينا أن ما نضربه للتشبيه كأننا ننصب المشبه به أمام الإنسان حتى يعرف صورته ، فلو قلت مثلاً : فلان مثل الأسد شجاعة ؛ فإنني كأنما مثلت الأسد وشجاعته ونصبتها أمام ناظري وبالتالي جعلت هذا قريباً لفهمي ، أو لقياس شجاعة فلان الذي أمدحه . فما كان المثل فيع انتصاب صورة في الذهن ، مقاربة أو مجالسة بصورة محسوسة ، فحينئذ أو من هذا الوجه سمي مثلاً . وفي لسان العرب أن كلمة المثل : كلمة تسوية ، فشيء مثل شيء يعني يساويه ، أي هو مساو له . والمثل مأخوذ من المثال ، الذي كما قلنا أنه فيه معنى الانتصاب . فهذا المعنى اللغوي أيضاً يدلنا على مسألة المساواة ، وعلى مسألة المشابهة والمناظرة . وإذا أردنا أن نذكر المعنى الذي ذكره أهل العلم للمثل ليس من حيث الأصل اللغوي وإنما من حيث معناه الذي يعود أو يتند إلى الأصل اللغوي ؛ فإن الميداني في مجمع الأمثال نقل عن الإمام المبرز قوله أنه قال " المثل مأخوذ من المثال وهو قول سائر يشبه به حال الثاني بالأول " إذا قلت أنا : قالوا في المثل ... ما معنى المثل أو الأمثال التي يسمونها الآن الأمثال الشعبية أو الأمثال العربية ؟ المثل : هو القول الذي أصبح سائراً شائعاً وفيه تصوير لمعنى ثانٍ بناءاً على معرفة معناً أول . وقال الراغب أيضاً في مفرداته : " المثل عبارة عن قول في شيء يشبه قولاً في شيء آخر بينهما مشابهه ، ليبين أحدهما الآخر ويصوره " . وهذا يدل على ما سبق ، أي ما بيناه أيضاً . ولذلك قال بعض شرّاح الأحاديث في معنى المثل وهو الإمام ابن العربي شارح الترمذي قال في المثل والمثل : " عبارة عن تشابه المعاني المعقولة " ، وجعل المثل بالكسر تحت الميم : " عبارة عن تشابه المعاني المحسوسة " ، يعني فرق بين هذا وهذا . أي ما كان مثل بفتح الميم فهو في المعقولات ، وما كان مثل بكسر الميم فهو في المحسوسات . والمعقولات : هي التي تصور وليس أمامك أو يعني بين يديك أو تحت حواسك . ممن اعتنى أهل السنة كثيراً بما يتعلق بالأمثال النبوية الإمام الترمذي - رحمه الله - مابين أصحاب الكتب الستة ، عقد كتاباً في الأمثال التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث لأمته و لبعض المعاني التربوية والدعوية التي سنعرج على بعض شواهدها . وأما التصنيف المستقل فالمطبوع بين أيدينا كتاب أبي الشيخ الأصبهاني واسمه [ الأمثال في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ] وهو كتاب مطبوع ومحقق وفيه جملة وافرة من هذه الأمثال . أما أمثال حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام ؛ فإن بعض الذين كتبوا في الأمثال العربية كالميدان ، وغيره فإن في جمهرة الأمثال للعسكري جعل في آخر كلامه الأمثال النبوية التي ذكرت في حديثه عليه الصلاة والسلام مختصرة ، وسارت في صورتها كسائر الأمثلة كقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( ليس الخبر كالمعاينة ) وأقوال كثيرة : ( الحرب خدعة ) وغيرها من الكلمات الموجزة التي أصبحت مضرب مثل .لأننا سنذكر أن المثل كلام موجز وله معان معينة تجعله يشيع وينتشر بين الناس . فلأن إذا جاء إنسان بينه وبين آخر عداوة ثم عمل له عملاً كاد له به ، فتعجب الآخر أو اعترض فإنه يقول له : ( الحرب خدعة ). كأن هذا أصبح عنواناً على حوادث شتى ، وعلى أمثلة متكررة ، لأنه قد استخلص من واقع تجربة ، وعقر عنه بتعبير دقيق بليغ يوجز اللفظ ويعبر عن المعنى .. فهذا إذن ما يتعلق بمعنى المثل من حيث اللغة ومن حيث فهم مدلول المثل الذي تحدث عنه . بقي أيضاً أن نذكر تتمةً لذلك وهي : إطلاقات وفروقات : إطلاقات أي إطلاقات تطلق على المثل وعلى بعض الأمثلة ونبين بعض الفروقات التي بينها وبين الأمثال المتنوعة ، والمختلفة . فعندنا المثل : يطلق ويراد به الكلام الموجز السائغ الشائع على الألسنة . وهذه مثل الأمثلة التي هي يقولون قالوا في الأمثال كذا وكذا ، والأمثال كثيرة وأمثال العرب كثيرة جداً وهي نفيسة وجميلة وذات قصص في أسبابها وذات غاز ، في مضامنها ، وليس هذا موضع حديثنا ، وإنما نحن نتحدث عن الأمثال بصفة عامة وسنركز ، على أمثال القرآن وأمثال السنة النبوية ، وما يلحق بها مما يفيدنا ، في التوجيه أو التربية ، أو الدعوة والموعظة . فإذن المثل هذا هو الأعم المطلق ، إذا قلنا المثال أو في الأمثال المقصود به الكلام الشائع الموجز الذي يدور على الألسنة . والمثل كذلك يطلق على ما فيه تشبيه معقول بمحسوس أكثر وضوحاً ، وهذا يعرف بالمثل القياسي ، عندما مثلاً نريد أن نعبر عن معنى من المعاني فنمثل له بشيء محسوس . فمثلاً : فلان قاس القلب مثل الصخر ، أو الحجر ؛ لأن الحجر في صلابته وصلادته ، ويبوسته ، وضرره ، يجمع هذا المعنى ، بما لا مزيد عليه كما يقولون ، ولذا قد ضرب الله عز وجل لهذا المثل كثيراً في القرآن الكريم وعبر عن مثل هذا المعنى في الآيات كما نعرف في سورة البقرة وفي غيرها ، وكذلك في آيات البعث لما ذكر الله عز وجل : { قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ] [ الاسراء: 50- 51 ] . قال : { قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً } أي أبعد شيء في التمثيل بعداً عن الحياة . أي الصخر الحديد مثل ما يقولون فلا ميت كالحديد ما فيه أي فائدة أو أي نتيجة صلب قاس . فإذن هذا المثل القياسي الذي يكون فيه ذكر شيء يقاس على شيء ، يطلق أيضاً على المثل ولكن كما قلنا الأشهر في الإطلاق هو المثل بمعنى المثل المضروب موجزاً في الكلام شائعاً على الألسنة . والمثل أيضاً يطلق على حكايات تدار على ألسنة غير الإنسان كالحيوانات ، ولها مغزى معين وهذا يسمى ، كما سماه بعضهم ، المثل الخرافي ، مثلاً المثل المشهور الذي يقول : " أكلت يوم أكل الثور الأبيض " . ماذا يقولون في قصته ؟ معروف قصته ، ومشهورة ، وأرى على بعض الأعين علامات استفهام أنها ليست معروفة . يقولون ترافق ثور أبيض وثور أسود وثور أحمر مع الأسد ، فكان الأسد يريد أن يفترس هذه الثيران لكن لا يستطيع أن يفعل ذلك مرة واحدة ، فانفرد بالأحمر والأسود وقال : إن الثور الأبيض هذا مشكلة ، لونه يفضحنا ويدل علينا الصيادين ، فيضرنا ، فما قولكم لو أكلته ، فرأوا في ذلك بعض المصلحة فأذنوا له فأكله . ثم انفرد بالثاني وأتى له بمبرر فما بقي الثالث ، فلما جاء يحاصره قال :" أكلت يوم أكل الثور الأبيض " . يعني كان هذا الموقف بسبب ذلك التفريط الأول . فهذه القصة على ألسنة الحيوانات وكليلة ودمنة وغير ذلك من الأدب حتى الأدب العربي شمل بعض المعاني ذات المغزى على ألسنة الحيوانات ، للدلالة على ، بعض الوجوه ، فهذا أيضاً يطلق أيضاً على المثل ، أو يطلق عليه مثل ويسمى عند بعضهم كما قلنا مثل خرافي والذي قبله يسمى قياسي ، ويسميه البلاغيين مثلاً مركباً الذي في تشبيه صورة بصورة ، يسمونه أيضاً مثلاً مركباً . وأحياناً يكون فيه أكثر من صورة ، نحن ذكرت لكم صورة القلب كالحجر ، لكن أحياناً نكون الصورة متنوعة ، والتمثيل ليس بشيء ، وإنما شيء بأشياء أو صورة كاملة بصورة كاملة ، كما سيرد معنا في بعض الشواهد والأمثلة على الأمثلة . وأيضاً الحكمة : يطلق على بعض الحكم أمثال ، بل بعض الأمثال هي في الأصل تجارب حكماء ، استخلصوها مما مر بهم ، من العبر ومجريات الحياة ثم قالوا حكمة : " رأس الحكمة مخافة الله " يروى حديثاً لكن الشاهد على أنه مثل ، فهو أيضاً حكمة . وكذلك كثير من الحكم التي يتداولها الناس ، ويقولون : قال الحكماء مثل الحكم المتعلقة بالتدبر أواخر الأمور وعواقبها .. ماذا يقولون في ذلك ؟ مثل الذي يقول لك أو يبين لك أن قبل أن تبدأ في الأمر لا بد أن تفكر في ماذا؟ فكر في المخرج قبل المدخل . فهذه حكمة ، لكنها أيضاً تجري مجرى المثل . فلحكم بعضها يطلق عليه مثل ، ولكن متى يطلق على الحكم مثل ؟ إذا كانت الحكمة في مواصفاتها ، شبيهة بالمثل ، وشاعت على الألسنة فإنها تسمى مثلاً . ولكن الحكمة في فرق عن المثل ، لأن بعضها حكم لكنها لا تكون وجيـزة الألفاظ ، ولا تدرج على الألسنة ، فلا تكون حينئذ مثل ، والحكم القائم صدقها في العقول يطلق عليها أمثلة ، لكن هناك فروق بينها وبين المثال ، ومن هذه الفروق : أن الحكمة تكون مثلاً ولا تكون مثلاُ أما المثل فهو مثل في الغالب يشتمل على مغزى الحكمة . ولذلك هنا مما ذكره العسكري في جمهرة الأمثال : " كل حكمة سائرة تسمى مثلاً وقد يأتي القائل بما يحسن من الكلام من أن يتمثل به إلا أنه لا يتفق أن يسير فلا يكون مثلاً " ؛ أي لا ينتشر ولا يدرج على الألسنة فلا يكون حينئذ مثلاً ، والفروق بين الحكمة والمثل تندرج ربما في ثلاثة جوانب : الأول : أن الحكمة عامة في الأقوال والأفعال ، أما الأمثال فهي مخصوصة بالأقوال . يقولون فلان حكيم في أقواله حكيم في أفعاله لكن لا يقال فلان جيد ضرب الأمثال بالقول لكن ليس هناك صورة عملية للمثل . ثانياً : أن المثل يقع فيه التشبيه ، والحكمة قد يقع فيها التشبيه وقد لا يقع . ثالثاً :أن المثل مقصود به الاحتجاج ، أما الحكمة فالمقصود بها التنبيه والإعلام والوعظ ، فالمثل تضره حتى تقيم الحجة على صدق القضية الأولى بما ضربته مثلاً في الصورة الثانية . بعد معرفة المعاني والفروقات ننتقل إلى : ثانياً : شروط الأمثال ما هي العبارات أو ماهي الشروط التي إذا وجدت صح أن يطلق على هذا القول مثلا ً ؟ وهي لا شك موجودة في القرآن والسنة واشتمالها على هذه المعاني وكذلك في أمثلة العرب المشهورة أيضاً لالتزامها أو وجود هذه الشروط فيها . أول شرط : حسن الألفاظ وبلاغة المعاني لأن بعض الناس يريد أن يمثل شيء بشيء ، فيأتي بعبارات ركيكة ، ومعانِ سمجة ، فلا يمكن أن يكون هذا مثلاً صحيحاً ، ومثلاً مقبولاً ، أو مثلاً مؤثراً . ثانياً : إيجاز الألفاظ وإصابة المعاني ليس المطلوب هو فقط الحسن ، وإنما من شرط المثل ، أن يكون موجز اللفظ ، أما تريد أن تضرب مثل فتتحدث من المغرب إلى العشاء ، بضرب المثل ، فالمثل أصله إنما يؤتى به للإيجاز ، وأيضاً لا بد أن تكون هناك دقة ، وإصابة في المعنى ، لأنك إذا مثلت الشيء بشيء ليس بينه وبينه شبه ، فإنك تخلط وتجعل السامع يخطئ في فهم القضية بدلاً من أن يحسن فهمها ، وهذا أمر أيضاً مهم ، ومما يدل على هذين الشرطين قول أبو عبيد القاسم بن سنان قال : " يجتمع في المثل ثلاث خصال إيجاز اللفظ وإصابة المعنى وحسن التشبيه " ، وقال ابن النظام كما في مجمع الأمثال " يجتمع في الأمثلة أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام إيجاز اللفظ ، وإصابة المعنى ، وحسن التشبيه ، وجودة الكناية " . " وإيجاز اللفظ ، وإصابة المعنى " هو الشرط الثاني ، " وحسن التشبيه وجودة الكناية " هو الشرط الأول الذي قلنا فيه حسن الألفاظ و بلاغة المعاني ، وأيضاً مما ذكره بعض أهل العلم في هذا المعنى قال " لما عرفت العرب أن الأنفال تتصرف في أكثر وجوه الكلام وتدخل في جل أساليب القول ، أخرجوها في أقواها من الألفاظ ، ليخف استعمالها ، ويسهل تداولها ، فهي من أجل الكلام وأنبله وأشرفه وأفضله ، لقلة ألفاظها ، وكثرة معانيها " لو جئت الآن إلى أي مثل تجد أنه غالباً عن كما يقولون : برقيات مختصرة ، ليس فيها كلام طويل ، " الصيف ضيعت اللبن " " على نفسها جنت براقش " كلمات موجزة ولها معانٍ كثيرة ودلالات عميقة ، وأمثلة كثيرة لو شئت أن تذكر لوجدت مئات وآلاف من الأمثلة العربية " يداك أوكتا وفوك نفخ " " ليس الخبر كالمعاينة " وأشياء وأمثلة كثيرة مذكورة في كتب الأمثال ، الذي لعل نذكر بعضاً منها ، في آخر الحديث . الشرط الثالث : السهولة والوضوح فإن المثل لا يضرب إلا لكي يعين على وضوح شيء غير واضح ، فلا ينبغي أن تكون هناك مساواة في التوضيح أو صعوبة ، أي المثل الذي تضربه يكون أصعب في الفهم من الأصل المعروف ، ولذلك كما قال القائل : كأننا والماء يجري حولنا *** قوم جلوس يجري حولهم ماء فهذا ماذا صنع ؟ كما يقولون : " فسر الماء بعد الجهد بالماء " . أي ما زادنا توضيحاً ، هذا في المساواة معيباً فكيف إذا كانت دون ذلك . لابد أن يكون المثل واضح ؛ لأن المثل إنما يراد بالتقريب والتفهيم ، فلابد من وضوحه وسهولته ، وجلائه ، مما قاله اليوسي في زهر الأكمام في الحكم والأمثال قال " ضرب المثل يوضح المبهم ، ويفتح المغلق " هذا أصله فكيف يكون على غير أصله . المصدر: منتديات مدينة الاحلام hgHlehg t,hz] ,a,hi] |
03 - 04 - 2007, 19:16 | رقم المشاركة : [2] | ||
| الرابع : الارتباط بالبيئة المناسبة للمخاطبين فإذا جئت في بيئة زراعية لأهلها يشتغلون بالزراعة ، فلو ضربت الأمثلة من بيئته يفهمون عليك ويتقربون منك ويتوددون إليك ، لكن لو جئتهم بأمثلة في المصانع تقول لهم مثلاً إذا عندك آلة وهذه في الآلة تنتج لك في الساعة خمسة وثلاثين أو أربعين شيء .. هم لا يعرفون الآلة ، ولا يعرفون ماهي هذه الآلة وكيف تنتج فلا يكون هذا منا سباً ، أو لو فهمومه لا يكون أقرب إليهم فاختيار المثل من البيئة ، لو كان المخاطبون أطباء ، فأمثلتهم من جنس مهنتهم ، أو من جنس اهتمامهم ، وهكذا .. ولذلك القرآن العظيم عندما ضرب أمثلة ! ضرب أمثلة من واقع البيئة التي نزل فيها القرآن ولكن القرآن كتاب خالد فما اختاره الله عز وجل من الأمثلة باقية في الإعجاز وسيبقى إلى قيام الساعة .. { أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ } [ الغاشية:17] . يظن الناس أن ضرب مثل هذا المثل أو تم اختيار هذا التشبيه ، أو هذا لفت النظر لأن الإبل والجمال كانت في الصحراء ، وهي التي كان يركبها العرب ، الذين نزل القرآن على رسوله عليه الصلاة والسلام وهو بين ظهرانيهم ! ليس الأمر كذلك ، هو كذلك لكن المعجزة باقية ، والآيات في خلق الإبل عظيمة ، ومجال تأمل وتدبر ، على مدى الأزمان ، فليس المقصود أن مناسبة البيئة ، خاصة في الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ، مراعاة ولكن فيها أيضا معنى الشمول والاستمرار . فإذا هذه أمثلة لا بد أن تكون تراعي الأمور التي تناسب بيئة الناس . الخامس : الواقعية فالأمثال الخيالية المغرقة في الخيال هي لا تتفق مع السهولة والوضوح ، ولا تتفق أيضاً مع تقريب المعاني ، ومع ذلك الواقعية قد تضرب مثلاً بما يظن أنه من الأمور الدنيا ، أو المحتقرة ، أو التافهة التي لا يمثل بها ، وهذا قد اعترض به الجاحدون ، وغير المؤمنين عندما رد الله عز وجل عليهم في قوله : { إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } [ البقرة:26 ] ؛ أي مثل ما دام فيه عبرة ؛ لأنهم قلوا ما هذا القرآن الذي ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم يضرب المثل بالبعوضة والذبابة .. ! فالله عز وجل قال لما ذكروا ذلك رد عليهم بهذا . وذكر من شأن الذبابة أن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له ، لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك . فبين أن المثل الذي احتقروه ، فيه معنى الإعجاز ، وفيه معنى التمثيل والتشبيه المراد وتحقيق المعنى المطلوب ، فلذلك الواقعية نقصد بها أن تكون من واقع الحياة الإنسانية ، وليس بالضرورة أن تكون ضخمة ، أو هكذا .. إنما أن يكون المغزى متحققاً فيها . ومما قاله ابن القيم رحمه الله عز وجل في هذا المعنى يعني أمر يبين ما يتعلق بالفهم سنذكره ، ولذلك يحسن أو يجب ، في الأمثلة أو الأمثال ، أن تكون بعيدة عن المبالغات . وأخيراً : أن يعتني أو أن يعتنى بالمكملات التي تحقق الأهداف : فالمثل له مقدمة ، وله مضمون وله خاتمة ، فلو أحسن المقدمة ، وأحسن اختيار المثال على الشروط التي ذكرناها ، ثم أحسن الخاتمة ، لجاء بالأمر على كماله ، وتمامه . مثل قرآني يقول الله عز وجل : { مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } [ الأعراف:178-179] . أين المثال ؟ { أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ } . لو قال الله عز وجل " الكافرون كالأنعام " فهذه حقيقة ، ولكن انظر إلى التوطئة ، أن من هداه الله فهو المهتدي ، وأن من ضل ، فهو الخاسر . ثم بين صورة الضلال بأن لهم قلوب لا يفقهون بها ، أعين لا يبصرون بها ، أذان لا يسمعون بها .. حينئذ عندما يأتي المثال { أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } . وهو مثال قوي مقبول مؤثر فاعل ، وفي آخر الأمر ، ختاماً بقول { أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } فيحسن حينئذ المثال ، ويأتي كاملاً مترابطاً محكماً ، ويؤدي الغرض المنشود ، والفائدة المرجوة . فهذه بعض الشروط التي تتضح أو توضح لنا عندما تتوفر في المثل ، كيف يمكن أن تكون فائدته وتأثيره . وننتقل حينئذ إلى النقطة الثالثة ، وهي جوهر الموضوع : فوائد الأمثال ومع الفوائد سنذكر الشواهد حتى تتضح بإذن الله عز وجل : أول فائدة : الإعانة على الفهم فإن الأمثال إنما يؤتى بها للتقريب والتيسير على الأفهام لفهم القضية المعروضة ، قال ابن القيم رحمه الله " وقد ضرب الله ورسوله الأمثال للناس لتقريب المراد وتفهيم المعنى وإيصاله إلى ذهن السامع ، وإحضاره في نفسه ، بصورة المثال الذي مثل به ، ليكون أقرب إلى تعقله وفهمه " وكل مثال إنما يقصد لهذا ، وإنما أعظم فائدة فيه هي فائدة التفهيم والتقريب . ثانياً : لفت الانتباه وشحذ الذهن عندما نقدم الحقيقة بصياغتها المباشرة ؛ فإنها تفتقد إلى ما يلفت النظر ، ويشحذ الذهن ، لتأملها وتدبرها ، كما قلنا : عندما يقول القائل :" الكافرون مجرمون أو الكافرون ضالون أو الكافرون كالأنعام " ، كتشبيه وتمثيل ، هي حقيقة لكن لا تلفت النظر والانتباه ، كما مثلنا بالآية القرآنية التي مهدت وبينت تلك الصورة للقلوب التي لا تفقه ، والأذان التي لا تسمع ، والأعين التي لا تبصر ، فيلفت النظر ، وإذا جئت إلى حديث ، وقلت مسألة خاصة إذا كانت المسألة غريبة . مثلاً ونضرب مثل بشيء قريب ، لأن حديثنا في الجمعة يدور كان حول الأموال ، وكان الحديث الأخير عن الربا . الربا ظاهره زيادة ، وكما يصوره الرأس ماليون على أنه يحقق نمواً اقتصادياً ، فلو جئت وقلت ، لإنسان :" الربا أو النظام الرأس مالي يدمر الاقتصاد ويضعف القوى الإقتصادية " . لا يقبل منك من ناحية الفهم ، أما إذا جئت وتقول له خذ مثلاً ، أولاً عندما تقول له خذ مثل سيلتفت نظره ويشحذ ذهنه ليسمع ، هذا المثل ، ويتابع هذا المثل . فتقول له مثلاً : عندما يأخذ التاجر القرض من الجهة الربا ، ليتاجر أو ليستخدمه في الصناعة ، فماذا سيحصل ؟ سوف يدفع فائدة ربوية ، فهذه الفائدة زيادة على المال الذي أخذه ، كيف سيصنع لتغطيه هذه الفائدة أو لتأمينها ؟ سوف يعمل على زيادة رفع الأسعار في بضائعه التي ينتجها ، فماذا سيحصل ؟ يتضرر عموم الناس ، من رفع الأسعار . ثم ما تزال الفوائد تتضاعف عليه ، فيحتاج حينئذ إلى زيادة لرفع الأسعار مرة أخرى ، وإذا رفع الأسعار مرة أخرى أصيبت بضاعته بالكساد والبوار ، وقلة المبيعات ، فإما أن يخسر ، حينئذ فيبيع بأقل مما تكلفه تلك البضاعة ، ويخسر ، وهذا يكون خسارة اقتصادية عليه ، وعلى عموم المجتمع ، وإما أن يلتمس طريقاً لكي يبقي البضائع بسعر مناسب ، وليس عنده طريقة ، بالنسبة للأسعار ؛ لأنها تحتاج أن يحملها هذه الفوائد ، فماذا يصنع ؟!. يلجأ إلى تخفيض أجور العمال ، فيتضرر هؤلاء العمال بنقص دخلهم ، وعدم قدرتهم على توفية حاجاتهم ، وقد يلجأ إلى الإستغناء عن بعضهم ، فيصبح عندهم بطالة كما يقولون . عندما تأتي بهذا المثل ، يبدأ الإنسان يفكر ، والحقيقة التي لم تكن أو التي كانت غائبة عن ذهنهم ، بدأ يلتفت النظر إليها ، ويشحذ ذهنه فيها ،لأن المثل فيه تصوير وتشبيه، ومقارنة وموازنة ، تجعل الذهن يتحفز ، والعقل يتدبر ، كقوله عز وجل مثلاً : { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ } [ البقرة:17] . لو قلت اليوم إن الكافرين أو المنافقين في ظلمات ، يقول لك أي ظلمات ، هم عندهم نور العلم ، وعندهم نور الحضارة ، وعندهم النور الذي استخرجوه بعقولهم وتفكيرهم إلى آخره .. لكن عندما تأتي بهذا المثل ثم تقول له اضرب لك مثلاً من الظلام النفسي ، والقلبي الذي يعيشون فيه كيف حصل عندهم مثلاً في انفراط الأمن ؟ أو في الأمراض النفسية ؟ والانتحار ؟ وتضرب المثل ، حينئذ يكون هذا المثل ، يعيد النظر يجعل الإنسان يعيد النظر ، ويعيد التفكير في القضية التي لم يكن يدركها ، فتشده ، ولا شك أن هذا نوع من أنواع تلوين الحديث . لأن الحديث على استرساله مجرد وعظ أو مجرد إلقاء ، أحكام ، وتقرير قضايا وحقائق ، لا يلفت الأنظار ، ولا يجذب العقول ، ولكن مرة مثلاً ، ومرة قصة ، ومرة تجربة ، ومرة آية ، ومرة حديث ، ....تنوع الأساليب يتحقق به ذلك . | ||
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
Powered by vBulletin Version 3.8.7 Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd ترقية وتطوير: مجموعة الدعم العربى |