منتديات مدينة الاحلام

منتديات مدينة الاحلام (http://m.dreamscity.net/)
-   قسم القصص والرويات (http://m.dreamscity.net/f9.html)
-   -   حينما تعزف قيثارة الصمت ألحانها (http://m.dreamscity.net/t34963.html)

صابر المسالم 17 - 09 - 2010 08:28

حينما تعزف قيثارة الصمت ألحانها
 
حينما تعزف قيثارة الصمت ألحانها ~... الكاتبة ::: حلم قديم
باسم الله أخطو هنا و أطل بكل سكون !
و باسم الله ألقي عليكم تحية الإسلام
فـ السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
مافي جعبتي اليوم مختلف عما كان قبل عام تقريباً
قبل عام كنت أحكي عن ديفيد ..الجندي الصغير الناجي من براثن الحرب..
و الذي لم تعيروه الاهتمام..عدا قلة قليلة منكم أفيض لها امتناناً و تقديراً
أما اليوم
فقد أتيت بحكاية مختلفة
حكاية من واقع زماننا و مكاننا .. بأسماء عربية
و فتاة عرفت الآخرين و لم تعرف نفسها
و باسم الله نختم بداية البداية !
و يأتي الحب في صمتِ
يرفرف فوق جثماني
و يأتي الطير في شوق
و يسأل أين ألحاني ؟
و أعلم أنني يوماً
سأرحل في ظلام الليل يحملني جناحان
و يلقيني رفاق العمر في صمت
تطوف عليه أحزاني
• فاروق جويده
• [1]
ديما ..الوجه الجديد
كان الفصل يعج بالفوضى..و الفتيات يتصايحن هنا و هناك
هذه تعانق صديقتها التي تم ترها طوال عطلة منتصف العام
و تلك تضحك مع رفيقاتها ..
و أخرى تتبختر في مشيتها ليرى الجميع دلالها و التماعها بألوان الموضة
صياح..هتاف..ضحك..ضوضاء !
و ندى تجلس ساهمة ترمق كل شيء في صمت..
صمت أزلي اعتادته مثلما اعتادت أنها هي !
أخيراً علا رنين الجرس معلناً نهاية ذلك المهرجان
و تفرقت الفتيات كل إلى مقعد اختارته بإرادتها..كل واحدة إلى جانب صديقتها
و كالعادة بقي المقعد المجاور لندى فارغاً
من يرغب في الجلوس إلى جانب تلك الفتاة الصامتة ؟
لو كان هناك من يحب أن يقتله الملل لمُلئ ذلك الفراغ
و لكن للأسف.. لم تكن هناك من تهوى الموت مللاً بينهن !
جاءت معلمة الحصة الأولى ، و كانت معها فتاة جديدة
فتاة لها شعر أشقر مسترسل على كتفيها في عبث
و لكنه عبث أعطاها لمسة من جاذبية لفتت كل الأنظار
ملامح رقيقة ، و نظرة حادة نوعاً ما
و الأدهى أنها غير محجبة..كيف علموا بذلك ؟
لأنها أتت بلا أي وشاح على رأسها ولا كتفيها !
و لأنهن فتيات..صرن يتهامسن فيما بينهن.."إنها غير محجبة"..
"تبدو من أصل أجنبي !".."جميلة حقاً..!"..و إلخ..
ثم جاء صوت المعلمة ليسكتهن : أقدم لكن زميلتكن الجديدة ..ديما..درست المراحل السابقة
في مدرسة خاصة مختلفة عن هذه المدرسة ، فأتمنى أن ترحبوا بها..
ثم ابتسمت لديما و جالت ببصرها في الفصل باحثة عن مكان فارغ
و استقرت عينيها على المقعد المجاور لندى..
فقالت مخاطبة إياها : عزيزتي ، لا أظنك تمانعين جلوس ديما بجانبك..أليس كذلك؟
أومأت ندى برأسها و همست بصوت لم يسمعه أحد : لا مانع لدي
و بمشية واثقة تقدمت ديما تحيطها أنظار الجميع
نظرات نصفها إعجاب و نصفها غيرة و حسد!
لم تتبادل الفتاتان أية كلمة طوال الحصص الثلاث الأولى
و حين جاء وقت الفسحة..
بادرت ديما بالكلام : هل يمكنني أن آتي معك لشراء وجبتي ؟ لا أعرف مكان المقصف
أجابت ندى و قد اعتراها حياء يلازمها دائماً مع أي كان : نـ نعم..بالتأكيد..
و قبل أن تهم ديما بالوقوف ..كانت ثلة من الفتيات قد تجمعن حولها
و من بينهن برزت واحدة تصيح بلهجة مرحة : إفطارك اليوم على حسابنا يا ديما !
و وضعت أمامها علبة عصير و شطيرتين و قطعة حلوى !
ابتسمت ديما و ردت عليها بمرح مشابه : شكراً للطفك..!
و أحضرت كل واحدة كرسياً ليجلسن حول ديما ..أو لنقل..يحاصرنها
كانت ندى قد وقفت تنظر إليهم بـ هدوء !
و حين رأت أن ديما نسيت وجودها تماماً .. استدارت و خرجت من الفصل لوحدها
و في داخلها كانت تدور خواطرها ..
"لا أدري لماذا تجمعن حولها هكذا ، لماذا يُخدع المرء بالمظاهر ؟ ماذا يعني أن تكون جميلة
أو شقراء ؟ أو ربما لفتهن أنها غير ملزمة بدينها ! هذا ما يروقهن..! لم أرَ في حياتي أغبى منهن..
و تلك الفتاة ديما أيضاً..لابد أنها نسخة مثلهن..و ربما أكثر تطوراً..من الجيد أنها لم تأتِ معي..
نعم..لست بحاجة إلى أن ترافقني..هذا لو قبلت هي لنفسها أن أكون معها..أعرفهن جيداً..
أعرفهن..الفتاة التي لا تهتم بمظهرها هي كالقمامة بالنسبة إليهن..
لا يتشرفن بمرافقتها ولا بالجلوس جوارها حتى ! لكن..لمَ طلبت مني ديما أن ترافقني ؟
هل حقاً لم أبدُ لها كـ قمامة ؟ ربما لأني كنت الأقرب إليها..ربما لتعرض علي دلالها و تحضرها !
لست أعلم إن كانت مختلفة أم لا .. لكني أعلم أنها ستغير مكان جلوسها بعد اجتماعها بهؤلاء..
و سأعود وحيدة كما كنت دائماً و كما سأكون إلى الأبد ! "
قالت ذلك لنفسها بكل يقين..لكنها كانت مخطئة..مخطئة جداً !
• [2]
عابر سبيلٍ و بداية صداقة
انتهى هذا اليوم الدراسي ، و هاهي ندى تنزل من الحافلة عائدة إلى المنزل
دخلت مُلقية التحية و اتجهت إلى غرفتها مباشرة
لم تكن صلتها بعائلتها قوية..فنادراً ما كانت تخالطهم
و كانت لا تراهم -تقريباً- إلا على الغداء و العشاء !
استبدلت ملابسها و صلت فرضها..و تناولت غداءها
و بعد هذا استلقت على كرسي الحاسوب..
الحاسوب..صديقها الوحيد و مؤنسها الأبدي !
سجلت دخولها إلى المنتدى -الوحيد- الذي تتابعه بشغف
[مرحباً بعودتك يا بقايا حلم ] !
كانت تشارك أحياناً في هذا المنتدى
و لكنها غالباً كانت تتابع ردود الأعضاء وحسب
و على وجه الخصوص ..تتابع ردود ذلك المُسمى عابر سبيل
عابر سبيل الذي يبغضه كل من في المنتدى !
و السبب أسلوبه الصريح ..و آرائه الوقحة تجاه الجميع!
لم يكن يتلفظ بشتائم أو ما شابه
لكنه كان يجيد حبك الكلمات بحيث تجدي نفس المعنى
و تؤدي نفس غرض التحقير ..و هذا ما منع طرده
كان لا يتكلم عن حياته أبداً..مجهول..غريب ..و غامض !
و هذا ما جعلها تهيم به إعجاباَ !
نعم..ليست من الطراز الميّال إلى الرومانسية أو الرقة
إنها تعتبر هذه الأمور تصنعاً لا أكثر
أما الغموض..فهي تعشقه !
لاسيما إن كان مرافقاً لمثل تلك الآراء الجريئة التي لا يخاف فيها أية لومة !
إنها تضفي عليه عمقاً و طابعاً يوحي ..ببعد النظر... !
و لطالما تمنت أن تصادف شاباً من هذا الطراز..
هذه المتابعة بدأت منذ عام و نصف
و لم تكن تلمح لهذا الأمر أبداً في مشاركاتها
لأنها على يقين تام..بأنه..لو علم..فستُضاف إلى قائمة الحِقار عنده
على الأقل هو مازال يحترمها..
و إن كان أحياناً يرد عليها بلهجته القاسية الخالية من أية مجاملة
"كم أتمنى أن أراه على أرض الواقع..! كيف سيبدو يا ترى؟ لن تتغير نظرتي أبداً مهما كان مظهره ،
المهم شخصيته ! روحه النقية من كل شوائب التصنع ! إنه أصدق من عرفت ! و إن كانت معرفتي
به لا يمكن تسميتها معرفة بمعايير الناس..لكني أعرف بأني أعرفه..أعرف كيف يفكر و كفى ..
تكفيني هذه المعرفة عن كل التفاصيل التي لا قيمة لها..و أعلم بأنه قاسٍ..منطوٍ..
و أعلم أني أحبه ! و أن هذا الحب سر كبير!.."
و بعد تأمل طويل..و تحديق في الشاشة لا لشيء..إلا لقراءة ما كتب عابر السبيل من آراء جديدة
التفتت إلى كتبها
تلك حياتها..حاسوب..و كُتب..و مشاعر خفيّة..مغلفة بـ صمت
ما إن استلت أول كتاب حتى تذكرت أمراَ آخر..
"ديما" !
و برغم أنها كانت تحاول نفضها من خاطرها..إلا أن ذلك الاسم كان يتردد مراراَ في بالها
"ديما..الوجه الجديد..المختلف ، ترى ماذا وراءها ؟! "
في اليوم التالي لم تكن قد غيرت مكانها كما توقعت ندى
و لكن تلك الفتيات كن يقاطعن دوماً أية بادرة قد تأتي من ديما لمحادثة زميلتها !
مضت أيام مشابهة..إلى أن انقطع ذلك الزحام اليومي عند مقعد ديما
يبدو أنهن فقدت الأمل في أن تنضم إليهن..و تترك الفتاة الصامتة !
يومها خرجا معاً إلى المقصف..طوال الدرب كان الصمت يلفهما
و حين عادا إلى الفصل..بدأت أولى حلقات سلسلة طويلة !
قالت ديما بلهجتها الواثقة الخالية من أي غرور رغم قوتها : ندى..أنتِ لا تملكين أية صديقة هنا صحيح ؟
-نعم..
-ما رأيك إذاً في أن أكون صديقتك ؟
خفق قلبها بقوة..لم تكن تتوقع أن يحدث هذا أبداً
ابتسمت قائلة : هذا يسرني..
-في الحقيقة تبدين لطيفة جداً..و مسالمة إلى حد كبير..لم أر مثلك قط!
-شكراً..و أنا أيضاً..لم أرَ مثلك من قبل
-نحن لا نجد وقتاً كبيراً للتحدث في المدرسة ، هل تملكين هاتفاً ؟
تلعثمت ندى..و قالت بحرج : لا أملك واحداً..لكن..يمكنني التحدث معك عبر الـ ..ماسنجر
-هذا رائع ..أعطِني عنوان البريد الخاص بك إذاً
و تبادلا عنواني البريدين الالكترونيين!
• [3]
حوار مع القادم من الظلام
عندما عادت ندى إلى منزلها ، هُرعت إلى حاسوبها
كانت سعيدة جداً ، و كل الأفكار السيئة التي كونتها عن ديما تلاشت في هذه اللحظات
"ديما..إنها مختلفة..مختلفة ! "
فتحت ذلك البرنامج المسمى بـ الماسنجر ، و قامت بإضافة بريد ديما إلى قائمتها..
و جلست تنظر إلي الشاشة المشعة في سعادة حقيقية ..
و إن كان قلبها يخفق ببعض التوتر
فطنت إلى وضعها المضحك و حماسها الغريب..ابتسمت و أخذت نفساً عميقاً
ثم انتقلت إلى ذلك المنتدى..الذي لا تمله
![مرحباً بعودتك يا بقايا حلم]
أخذت تتفقد قائمة المتواجدين حالياً.. هناك أسماء كثيرة متصلة
تطوف بعينيها على كل اسم ..تقرأه و تقفز للذي بعده ، إلى أن توقفت عند "عابر سبيل"
لاحت ابتسامة أخرى على شفتيها..
و بلا شعور ضغطت على الاسم لتنتقل إلى الملف الشخصي
ثم إلى المشاركات..و جلست تقرأ في هدوء..!
و في الجهة الأخرى كان يجلس "عابر سبيل"..أنهى كتابة رده على موضوع ما..و أرسله..
ثم انتقل إلى الصفحة الرئيسة..و هناك تفقد المتواجدين بلا مبالاة..
كان قد حفظ تقريباً أسماء المتواجدين يومياً..لكن اسماً جديداً شده..
و الأدهى أن الاسم لم يكن جديداً في الواقع..بل مألوفاً !
القادم من الظلام !
"أين رأيت هذا الاسم من قبل ؟!"
سجل خروجه ، ثم زار الملف الشخصي لهذا العضو..هذه عادته..
لا يحب أن يبقَ اسمه في أي ملف
لا يحب أن يعلم أحد بأنه مثل الآخرين..لديه بعض الفضول !
و لذلك يتطفل كـ ضيف دائماً
قرأ معلومات التعريف لذلك الملف..لا إجابة..
قرأ تاريخ الاشتراك..
"لقد مضى على تسجيل هذا العضو عام كامل ! متأكد أنني أعرفه..لكن من يكون؟ من يكون !"
خرج من الملف و استرخى في جلسته..و أخذ يفكر محاولاً التذكر..
لم يفلح..فعاد يتصفح المنتدى ثانية..تفقد قائمة المتواجدين..
لمح اسم "بقايا حلم" بينهم ، حينها فقط وجد ضالته !
همهم يقول لنفسه في فهم
"الآن تذكرت..القادم من الظلام..هو الأخ الأكبر لتلك التي تسمي نفسها بقايا حلم..
كيف نسيت هذا ؟..لكنه لا يملك مشاركات كثيرة..له بعض المشاركات في قسم الألعاب فقط..
ربما قام بالتسجيل لمراقبة أخته !"
و أسند ظهره على الكرسي ثم قال في نفسه بابتسامة شاحبة :
"هذا هو سبب تجنبها الرد على الأولاد إلى أقصى حد ممكن و كتاباتها التي لم تخرج عن حدود
الأدب قط ! يبدو أنها تعلم بوجود من يراقبها.."
مضت الساعات و لم تتزحزح ندى من مكانها..و كلما مرت ساعة تقول لنفسها :
" سأنتظر ساعة أخرى ! لعل و عسى أن تسجل ديما دخولها إلى الماسنجر..
أو لعل عابر السبيل يعود و يكتب !"
لكن شيئاً من ذاك لم يحدث و لهذا أغلقت الجهاز و انصرفت إلى كتبها المدرسية
حين أحل الليل سدوله ، عاود عابر السبيل دخوله إلى المنتدى
تفقد المتواجدين كأول خطوة يقوم بها في العادة ، ليجد ذلك الاسم مازال متصلاً !
القادم من الظلام..
همس لنفسه : "يبدو أنه يعاني الفراغ حقاً ! سأرسل له رسالة أجس بها نبضه ! "
و كتب الآتي :
|| مرحباً أيها القادم من الظلام
كيف الحال؟
هل لي أن أعلم لمَ عدت إلى المنتدى مرة أخرى ؟
أهلاً بعودتك على كل حال .. و أتمنى أن تتذكر من أكون ||
ظن عابر السبيل أنه سينتظر طويلاً..لكن الرد جاء في أقل من عشر دقائق
ابتسم و هو يقول لنفسه "إنه حقاً يعاني الفراغ !"
||مرحباً بك
أنا بخير و ماذا عنك ؟
لماذا تسأل هذا السؤال الغريب..؟
أنا لم أغب أبداً..لكني كنت أدخل في حالة التخفي
و بالتأكيد أتذكرك!
أخبرني ما نتيجتك للعام الدراسي الماضي ؟
قالوا أن الامتحانات كانت معقدة ||
رد عليه و قد استساغه الحوار عبر الرسائل الخاصة :
|| الحمدلله
و سبب سؤالي هو أني لا أرى سبباً معيناً يجبرك على العودة
إلا لو كنت لا أعلم ما هو !
و بالنسبة لنتيجتي فلا أعتقد أن الأمر يهمك||
و بعد دقائق جاءه الرد :
||قلت لك أني لم أكن غائباً أصلاً
لا يمكنك تسمية الأمر عودة
و أما نتيجتك..فهي تهمني سواء رضيت أم أبيت..||
و طال الحوار.. !
• [4]
مسرحيات لا تنتهي
و بعد حوالي ساعة من بداية ذلك الحوار ، وجد عابر السبيل طلب إضافة جهة اتصال جديدة
في ماسنجره..
لم يتردد في الموافقة ، كان متأكداً من أن هذا الشخص ما هو إلا ذاك المسمى القادم من الظلام
"يبدو أنه أحب الكلام معي ! ..و يظنني طلبت صداقته بتلك المراسة ، لا يعلم أني كنت أمضي
وقتي وحسب..على كل حال سيعلم كم كان ظنه خاطئاً.."
و لم يكد يفرغ من أفكاره حتى ظهرت نافذة الحوار المضيئة باللون البرتقالي
... :السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
عابر سبيل :وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته
... : أنا القادم من الظلام
عابر سبيل: نعم أعلم بذلك
... : =P
عابر سبيل : هل من خدمة أؤديها لك ؟
... : لم أتعرف إلى شخصك الكريم..اسمي طارق و أنت ؟
عابر سبيل : عادل
عابر سبيل : هل من أمر آخر ؟
... : يبدو أن الصداقة محرمة عندك
عابر سبيل : نعم محرمة
... : إذاً أعتذر عن إزعاجي لك ، يمكنك حذفي من قائمتك
عابر سبيل : لن أفعل ، لكن ثق بأنك أنت من سيفعل هذا قريباً
... : هذا مستحيل
عابر سبيل : سنرى !
... : كلانا واثق من نفسه ، نعم سنرى
عابر سبيل : حسناً سأذهب للنوم الآن
عابر سبيل : مع السلامة
... : تصبح على خير
بدت أمارات الانزعاج على وجه عابر السبيل ذاك -..أو لنقل الآن..عادل -و هو يسجل خروجه
من الماسنجر و المنتدى معاً ، ارتمى على سريره و هو يقول في نفسه :
"أف ، لم أرِد أن يشعر بأني آبه به ..كيف سأتخلص منه الآن ؟ إنه واثق من أنه سيكون صديقاً لي ..!
يظنني مثله.. عابث أحمق..شادي أقرب الناس إلي لم أعتبره صديقاً إلا بعد سنوات من التعامل ،
و هذا يريد أن يكون صديقاً بعد حوار دام عدة دقائق !!..لن أحذفه..لن أحظر جهة اتصاله..
فقط سأكلمه بطريقتي..و سيدرك حينها مدى بلاهته و سخف غايته"
مع توسط الشمس كبد السماء في النهار التالي ، و في فصل ندى
كانت إحدى المعلمات غائبة ، و بذلك نالت الفتيات راحة مدتها 45 دقيقة
و كانت فرصة ممتازة لديما و ندى ، لتأصيل علاقتهما
قالت ندى بتردد كبير -كونها لا تبادر بالحديث إلا نادراً - : انتظرتك طويلاً يوم البارحة و لم أرك تسجلين دخولك إلى الماسنجر
ردت ديما : كنتِ تنتظرينني إذاً ! أنا آسفة..نسيت أن أخبرك بأني سأكون منشغلة في معاونة
صديقتي لإعداد حفلة صغيرة في بيتها..آه..لم أنم قبل الثالثة فجراً..أكاد أموت من شدة النعاس !
تعجبت ندى ، فعلقت قائلة : حفلة ؟ أهي حفلة يوم ميلاد ؟
ضحكت ديما ضحكة قصيرة و قالت : لا لا ، ليست هناك أية مناسبة في الحقيقة ، أنا أحب إقامة
الحفلات و كذلك المشاركة في إعدادها..
ردت ندى بتعجب أكبر : لم أفهم ماذا تعنين بعد..ماذا تفعلون في هذه الحفلات ؟
-حفللات مثل جميع الحفلات ، ألم تحضري حفلة في حياتك ؟
شعرت ندى بشيء من الحرج و هي تجيب : في الحقيقة..لا !
ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه ديما و هي تقول بمرح : أنت أول المدعوين إلى حفلة نهاية
هذا
الأسبوع إذاً ..
-شك..شكراً..لكنك لم تجيبي على سؤالي..ماذا تفعلون في هذه الحفلات ؟
ديما : نأكل الحلوى و نستمع إلى الموسيقى و نتبادل الأحاديث،و أحياناً تكون هناك بعض المفاجآت
-هذا جميل ، كم يكون عدد الحضور تقريباً ؟
-ليسوا كثيرون..هناك غادة و منى و تالة و مازن و عمر .. و و !!!
اتسعت عينا ندى من جراء الصدمة التي اعترتها ، قالت : حفلة مختلطة إذاً !
-نعم..لا تقولي بأنكِ لن تحضري
و ردت عليها في أقصى محاولة لمداراة حرجها و ارتباكها : أنا آسفة ، لكن عائلتي لن تسمح لي أبداً ..
و حتى لو سمحت لي..أنا لا أستطيع هذا..أنا..
رأت ديما ما تسببت به من توتر لندى ، فقال مهدئة إياها : حسناً لا بأس ، كما تريدين
-شكراً لتقدير موقفي
فابتسمت قائلة بمرح :عفواً..لمَ الأصدقاء إذاً ؟
شعرت ندى ببعض الارتياح ، و لكن تلك الصدمة لم تزل..لن تزول بسهولة أبداً
قالت في محاولة لتغيير مسار الحديث : هل سأراك اليوم على الماسنجر ؟
-أظن ذلك
-في أية ساعة تقريباً؟
-امممم..الخامسة عصراً
حل صمت قصير..لكنه ثقيل للغاية
قالت ديما بصوت أقرب إلى الهمس : لقد تغيرت نظرتكِ إلي بعد ما قلته عن الحفلة صحيح ؟
أجابتها ندى : لا لا أبداً ، لم تتغير نظرتي..لقد تحسنت أكثر..
-لا تجامليني أرجوك
-تحسنت نظرتي لأني رأيتك صادقة..لا تعلمين كم أمقت المتصنعين و الكاذبين..أنتِ صادقة
و تتحدثين بشفافية ..و هذا أمر رائع لا أصادفه إلا نادراً
-شكراً عزيزتي
-عفواً
و حل الصمت الثقيل من جديد ، صمت خارجي و طبول داخلية تدق بعنف
أخذت ندى تنظر إلى ساحة المدرسة من النافذة المجاورة لها ، أحست بغصة جديدة
"لقد جاملتها ، قلت أن نظرتي تحسنت لأنها صادقة ! و كنت أكذب الكذابين حينها
لقد صُدمت بحق ، و كرهت صدقها و مجاهرتها بالخطأ..ما كان ينبغي لها أن تقول ذلك
بكل أريحية و كأنها تعلن أن انحطاط أخلاقها أمر عادي و ربما محط فخر !
..!
أتمنى أن تعرف نظرتي إليها ، لكني لا أجسر على مصارحتها
لا أعلم متى سأترك هذه الصفة المقيتة ، لماذا أبحث عن الصدق رغم أني لا أطبقه على نفسي؟!
أنا أستحق حزني العميق الذي ينتابني كلما جال عابر السبيل ذاك في خاطري ، أستحق ذلك
لو رآني لقال بكل صدق : أنتِ فتاة تافهة لا جدوى ترجى منك!
أما أنا ، فسأعجب بصدقه ثم أرد بكذبة سوداء :
و أنا لم أتمنَ قط أن أعرف رأيك ، لأنك لا تمثل شيئاً لي.."
توقفت عن التفكير كيلا تتهاوى دموعها ، تعلم ندى متى تكون الدمعة على وشك فضحها
و لذلك تداري الأمر كي لا يكشفها أحد..كي لا يعلم أحد بالحقيقة..كي تخدع الجميع بتمثيلها المتقن..
و لكن .. هل تنتهي مسرحياتها ؟
• [5]
ديما و .. القادم من الظلام !
في تمام الخامسة عصراً جلست ندى أمام حاسوبها بانتظار ديما
و كانت ديما على وعدها ..
و بعد تبادل التحيات دار أول حوار الكتروني بينهما ..
ديما : أنا مندهشة حقاً ، أسلوبك في الكلام على الماسنجر مختلف تمام الاختلاف
عن أسلوبك الهادئ الخجول في المدرسة !! كأنكِ شخص آخر..
ندى : خخخخخخ XD
ديما : نعم ، أنتِ هنا تضحكين و تستقبليني بمرح ، تكتبين بسرعة و تكثرين من الابتسامات !
الأمر الذي يجعلني أشعر بأن من يجلس وراء شاشتك فتاة مرحة تلقائية مختلفة تمام الاختلاف
عن تلك الطالبة الهادئة في المدرسة ! و التي لم أسمعها بعد كيف تضحك حتى !!
ندى : إن السبب هو طبعي الانطوائي ، أنا لا أحب صمتي الثقيل أبداً ، لكن رؤيتي للناس تجعلني منكمشة على نفسي إلى أقصى درجة ، أما هنا في الماسنجر..و بما أنني لا أراك و لا أحد يراني
ينتابني شعور غريب بالأمان ، الأمر الذي يجعلني أكتب بهذه التلقائية التي أوحت لكِ بأني مختلفة
ديما : أنتِ حقاً مختلفة جداً هنا ! من المُستحيل أن أتخيلك تتحدثين عن نفسك هكذا في المدرسة
ندى : هههههههههههههه...نعم نعم .. من المستحيل ذلك..لكن الوضع هنا مختلف ^__*
ديما : إنها المرة الأولى التي أشعر فيها بأن فيك جانباً من الغرابة..عذراً..لكني مندهشة حقاً
ندى : لا بأس ، حتى أخي قال لي في إحدى المرات أنني غريبة أطوار
ديما : آه صحيح..لم تخبريني عن عائلتك .. العائلة موضوع آخر يستحيل الحديث عنه في المدرسة
هاه..
ندى : نعم \X ، على كلٍ لدي أخوين اثنين فقط ..
ديما : أنتِ الفتاة الوحيدة إذاً ! أما أنا ، فلدي أخت و أخ ..توأمين
ندى : هل هما أصغر أم أكبر منك ؟
ديما : إنني الأخت الكبرى ، كم هو أمر مزعج أن تكوني الكبرى !
ندى : لا لا إنني أرى العكس تماماً ، أنا الوسطى بين إخوتي..لطالما تمنيت أن أكون الأكبر بينهم
ديما : ليتنا نستبدل مواقعنا خخخخخ
ندى : هل تشاركين في منتدى معين ؟
ديما : لا لا ، لم أشترك في أي منتدى منذ مدة طويلة..لا أحب المنتديات
ندى : لماذا يا ترى؟
ديما : لا أدري ، أشعر بأنها مملة جداً ، و أنا لست معتادة على المكوث في البيت مدة طويلة ،
اهتماماتي تنصب على خارج البيت و خارج نطاق الحاسوب بشكل عام..لكن إذا أردتِني أن أسجل في منتدى معين ، فسألبي طلبك =)
ندى : شكراً .. هذا هو العنوان www . ******* . com / vb
ديما : شكراً..سأسجل حالاً !
و أصبحت ديما عضوة جديدة من أعضاء ذلك المنتدى..
مسماها "عاشقة الليل " ، لم تعر هذا المنتدى اهتماماً حقيقياً في البداية
لكنها مع مرور الأيام تعلقت به ، و صارت تدخله يومياً..و تعرفت على طبائع أبرز أعضائه
تملكتها الدهشة مراراً كلما رأت الآراء القليلة..لكن البلغية لندى..الفتاة الصامتة !
و تملكتها الغرابة حين رأت مشاركات القادم من الظلام ، و الذي علمت من تعليقات الآخرين
أنه الأخ الأكبر لندى ، شخص غريب ، كان يشارك فقط في قسم الألعاب..مشاركات مختصرة ..غامضة تشف عن بحر من الألغاز..لكنه لم يفق "عابر سبيل" في غموضه !!
و على عكس ندى ، كانت ديما تكره هؤلاء المتعجرفين الذين يرتدون عباءة الغموض و يتحدثون بطريقة الاستعلاء و الامتناع عن البوح بالمشاعر و كل ما يمس الحياة اليومية و العائلة !
لكن شيئاً ما كان يحيرها بشأن العلاقة بين القادم من الظلام..و عابر سبيل..
القادم من الظلام يخاطب الآخر على أنه أقرب صديق إليه !
و أما ذاك فيحتقره إلى أعتى درجة ممكنة !
و ما زاد حيرتها هي ردود أفعال القادم من الظلام .. يبتلع الإهانة تلو الإهانة..برحابة صدر !!
و يصر على التحدث دائماً بلهجة الصديق المقرب..
و لطالما اشمأزت حين كانت تقرأ ما يكتب ..و تقول في نفسها "شخصيته ضعيفة للغاية ، لابد أنه مريض نفسياً أخشى أن تكون كل عائلة ندى هكذا .. حتى ندى نفسها تتحدث بشفافية في المنتدى..و ذاك الأحمق يخاف ردع الإهانات عنه ! إنه منتدى..منتدى..عالم افتراضي..مهما كان ضعفه في الحقيقة فيجب أن يكون قوياً هنا !.."
فكرت في إضافته إلى إلى قائمة بريدها الالكتروني مرة لعل و عسى أن تشفي غليلها منه ،
لكنها فوجئت بأنه لا يكلم الفتيات !
و هذه نقطة أخرى يشترك فيها مع عابر سبيل..متماثلين في كل شيء..عدا أن أحدهما يحتقر
نفسه..و الآخر يحتقر الآخرين..
و مرت أيام أخرى ، إلى أن قررت ديما سؤال ندى عن أخيها الغريب !
افتتحت محادثة جديدة ، و بعد المقدمات المناسبة أخذت شهيقاً عميقاً و شرعت بالكتابة..
ديما : أود أن أسألك سؤالاً يخص أخوك..
ندى : أخي ؟ أي أخ و لماذا ؟
ديما : القادم من الظلام .. الذي هو أخوك الأكبر !
ندى : سلي ما تريدين ..
ديما : ألا ترين معي أن شخصيته غير مفهومة في المنتدى ؟ أنا لم أرَ شخصاً مثله من قبل..
ندى : ماذا تعنين بشخصيته غير المفهومة ؟
ديما : موقفه من عابر سبيل..إنه لا يرد على تجريحاته أبداً..هذا الأمر يجعلني أشعر بأنه شخص
هش للغاية..هل هو شخص يخاف الناس ؟
ندى : .... لا
ديما : إذاً كيف هي شخصيته الواقعية ؟
ندى : لا أعلم
ديما : كيف لا تعلمين ؟ ألستِ أخته !!
ندى : نعم أنا كذلك .. لكني لا أعرفه جيداً ! عموماً هو لا يخاف الناس مثلي !
ديما : و كيف هي علاقتك معه ؟
ندى : بصراحة و بكل اختصار..أخي طارق هو أكثر شخص في الدنيا أكن له الكراهية !
ديما : ماذا تقولين ؟ أنا لا أصدق هذا ..
ندى : بل صدقي..أكرهه..و هو يكرهني أيضاً ..و علاقتنا شبه رسمية و كفى
أحست ديما بأن ندى تحاول الامتناع عن الكلام..و تبتر الموضوع دون الخوض في أية تفاصيل
و لذلك قررت الصمت و عدم الاسترسال في ذلك التحقيق أكثر..لكن فضولها لم يرتوِ..
القصة تزداد تعقيداً..
أخذت تفكر في حيرة حقيقية..
"ما سر كراهيتها له ؟ و لماذا تقول أنه ليس بالشخص الانطوائي !!
ما سر تجنبها الحديث عن شخصيته ؟ لا أتذكر مرة أنها حكت لي موقفاً لها معه !..
عدا المرة الوحيدة التي أخبرتني فيها أنه قال لها بأنها غريبة أطوار!
من يكون القادم من الظلام في الحقيقة ؟ لابد أن أعرف..! "
[6]
كلمات جارحة..!
مع اقتراب امتحانات نهاية العام الدراسي ، جلس عادل يعد جدول الدراسة
الذي سيتبعه خلال الأسبوعين المتبقيين ..
هذا هو عامه المصيري..و عليه أن يبذل جهده..
أنهى ترتيب كتبه و خرج متجهاً إلى المطبخ بغية شربة ماء
لمحته والدته ، فسألته : معلمك الخصوصي لم يأتِ بعد ، أليس من المفترض أن يكون هنا
قبل ساعة من الآن ؟
أجابها دونما التفاتة : لن يأتي
كشرت غاضبة : ماذا تقول ؟ لا أخاله يعمل بالمجان ! و ما دفعناه لن يضيع سدى ..سأتصل
به لأعاتبه على غيابه
رد بغضب مماثل : لا شأن لك ، و أنا من طلبت منه عدم المجيء..من الغد فصاعداً سألتقي
به في الحديقة القريبة
-و ممَ يشكُ البيت حتى تستغني عنه بالحديقة ؟ لا أدري متى ستكف عن هذه التصرفات
المقيتة يا عادل ..
هنا انفجر فيها صائحاً : تصرفاتي المقيتة أم تصرفاتك ؟ ألا تتذكرين ما فعلتِ خلال الأيام
الثلاثة المنصرمة ؟ بسببك صرت أداري نظراتي خجلاً منه كلما رأيته !
صاحت فيه بدورها : كلامك يحمل الكثير من المبالغة..قل لي ما الذي فعلته ؟ أنا لم أر
أستاذك هذا حتى و لم أنبس أمامه بحرف !
-لا ..أنتِ لم تفعلي شيئاً أبداً..فقط تتشاجرين و تملئين البيت صراخاً طوال الوقت..ليسمع
الرجل الأجنبي صوتك و سبابك..لم تفعلي شيئاً البتة..
و قبل أن ترد على كلامه كان قد ابتعد و أغلق باب غرفته عليه..
أخذ يحاول التنفس بعمق كي يهدئ من غضبته..و في داخله أخذت تدور أسود الخواطر
أشعل شاشة حاسوبه و اسرتخى على الكرسي..
و ما إن دخل الماسنجر حتى ظهرت تلك النافذة التي أخذت تثير حنقه كثيراً في آخر الأيام..
"القادم من الظلام"..طارق الساذج ..!!
القادم من الظلام : السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
عابر سبيل : وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته
القادم من الظلام : كيف حالك ؟
عابر سبيل : كيف حالك أنت ؟
القادم من الظلام : و لم لا تجيبني أنت أولاً ؟
عابر سبيل : لن أجيب..و لا أريدك أن تسألني هذا السؤال ثانية
القادم من الظلام : حسناً كما تريد
عابر سبيل : أود أن أسألك سؤالاً..أما مللت من محادثتي؟
القادم من الظلام : لا ..و لمَ أفعل ؟
عابر سبيل : أنا أكلمك يومياً منذ ثلاثة أشهر تقريباً..و لم أصارحك بشيء يخصني قط..لا تظن
أنني سأتغير معك يوماً ما ..و لا تفكر أبداً في إمكانية أن أثق بك..هذا من المستحيلات..لن
أتغير معك..
القادم من الظلام : و من قال لك تغير ..فلتبق كما أنت
عابر سبيل : لا تعلم كم أنزعج كلما كلمتك..أشعر بأنك شخص .....
القادم من الظلام : شخص ماذا ؟ قلها ..غبي.؟ساذج؟ تافه ؟ ..
عابر سبيل : لا شيء..انسَ ما قلته
القادم من الظلام : على كل حال هذا كلام أتوقعه منك..لن أندهش مهما قلت لي
عابر سبيل : لنغير الموضوع..ما رأيك بفتيات المنتدى ؟
القادم من الظلام : أية واحدة بالضبط ؟
عابر سبيل : بشكل عام..
القادم من الظلام : لا أفهم ما ترمي إليه..كل واحدة تختلف عن الأخرى..ما رأيك أنت ؟
عابر سبيل : تافهات..جميعهن غبيات ..يمثلن الأدب و الالتزام رغم أنه ما من واحدة منهن
إلا و تكلم شباناً في الخفية ..
القادم من الظلام : ليس الجميع
عابر سبيل : بل الجميع..من تستثني ؟
القادم من الظلام : .....
عابر سبيل : دعني أخمن..تريد أن تقول لي أن أختك ليست مثلهن ؟ ما أدراك بما يجري
وراء الكواليس ؟
القادم من الظلام : هل لك أن تكف عن هذا ؟ لا أريد أن أقول شيئاً جارحاً
عابر سبيل : و لمَ لا تقول الشيء الجارح ؟ هذا لو كنت تعرف الفرق بين الجارح و غير الجارح
[القادم من الظلام سجل خروجه !]
لاحت ابتسامة خفيفة على شفتي عادل و هو يقول في نفسه :
"لم أكن أريد إقحام أخته في الموضوع..لكنها الطريقة الوحيدة لإبعاده..و أخيراً تخلصت منه.."
ثم فتح برنامجاً كاشفاً للحظر..و تفحص العنوان البريدي لطارق..و هنا كانت الصدمة..
"لم يقم بحظر جهة اتصالي !! و لم يحذفني من قائمته .. لقد خرج من الماسنجر بعد ذلك
الكلام فعلاً..هذا يعني أنه ينوي محادثتي لاحقاً..تباً ! "
لكن طارق لم يدخل اليوم التالي و لا الذي يليه..و أما عادل فقرر أن وقت مقاطعة الحاسوب
قد حان لاقتراب الامتحانات..و تفرغ إلى دراسته
وكذلك كانت ندى..تستعد لامتحاناتها بأقصى الإمكانيات المتاحة..فهي بعد كل شيء

صابر المسالم 17 - 09 - 2010 08:30

رد: حينما تعزف قيثارة الصمت ألحانها
 
طالبة مجتهدة..و إن لم يكن عامها هذا مصيرياً..
مرت أيام الامتحانات ببطء ثقيلة على الصدور..لاسيما ديما..التي كانت تكره الدراسة و الكتب..
و لذلك كانت تراجع المراجعة النهائية كل يوم مع ندى في المكتبة العامة ، فتثبت المعلومات
في رأسها و تفهم ما لم تكن تفهمه..و تتشارك نماذج الاختبار مع ندى..
أما عادل..فكانت الأجواء المحيطة به في غاية السوء ، لكنه كان مصمماً على قهرها..و لذلك
درس بجهد كبير و تفانٍ ..
لم يكن ذلك المنتدى و حقيقة القادم من الظلام قد طواها النسيان بعد عند ديما..
لكنها و بضغط من ندى تركت التفكير في الأمر..عازمة على العودة إليه مع بداية العطلة الصيفية..
و بناء على ذلك طلبت من ندى عنوان منزلها في آخر أيام الامتحانات، حاولت ندى التملص من
الطلب لكن بلا جدوى فأعطتها العنوان و رقم الهاتف..بعد رجاء كبير و غريب بالاتصال قبل الزيارة
إن فكرت في زيارتها
و بدأ صيف حافل...
[7]
صِدام مع صديق مقرب..!
غربت الشمس تواً ، و رغم كون الفصل صيف إلا أن الحرارة لم تكن ملهبة
كان الجو معتدلاً لو أردنا الدقة .. و كان ثمة نسائم..عليلة
و لهذا اختار عادل أن يخرج للمشي في هذا الوقت ..
ارتدى الملابس الملائمة و ذهب ليمارس رياضة المشي قرب الحديقة القريبة
و ما إن شرع يمشي حتى بدأ إحساسه بالعالم الخارجي يتلاشى ..كل شيء غدا محض صورة
وهمية بلا لون و لا طعم ولا رائحة..حتى أولئك الذين يتحركون حوله..مجرد أطياف لا معنى لها ولا تأثير لوجودها..
و لم يعد يسمع سوى دقات قلبه المتسارعة ..و تخبطات أقدامه بالأرض ..
و أفكاره الدخيلة الصاخبة..
"لن أفكر في نتائج الامتحانات الآن ، مازال هناك وقت طويل لا أريد قضاءه في التوتر و الاضطراب
الذي لا يقدم ولا يؤخر..فلأبعد هذا الأمر عن ذهني نهائياً.. و لأتلهى عنه بشتى الوسائل الكفيلة
بذلك ، لكن المشكلة في هذه الوسائل التي لا أعرف كنهها ! ما الشيء الكفيل بإلهائي ؟
انتظرت دخول شادي إلى الماسنجر طويلاً لكنه لم يفعل ، و أما البقية فلا أطيق رؤيتهم..إنهم
مفيدون فقط في الوقت الذي أكون فيه محتاجاً إلى تذكيرهم بهوياتهم و الضحك على ثقتهم
العمياء بأنفسهم ! .. لكنهم لا يصلحون أبداً لأن يكونوا أصدقاء أنسى معهم كل همي !
أين أنت يا شادي ! اتصلت به عدة مرات يوم البارحة لكنه لم يرد.. لا أدري ماذا يمعنه من الرد
لكن شعوراً غريباً يراودني ، شعور يخبرني بأنه لم يعد يريد الاستمرار في صداقتي !
و أن شيئاً ما غيره..أخشى أن يكون شعوري هذا صادقاً..إنني لا أريد أبداً أن أفقد شادي !.."
أغمض عينيه و هز رأسه في محاولة لنفضه من كل تلك الأفكار..عاد إلى عالمه الواقعي ..
ليجد نفسه منهكاً يلتقط أنفاسه ..و قد اغرورق جبينه بالعرق..و مر وقت أطول من الذي كان يتخيله
توقف عن المشي الذي استحال عدواً بمرور الدقائق..أخرج منديله و أخذ يمسح وجهه و جبينه
و أثناء هذا لمح مجموعة من الشباب يتضاحكون في مكان ما..داخل الحديقة..
اقترب من السور ليلقي نظرة أقرب..لم يكن يهمه ما يضحكهم أو غرض اجتماعهم
لأنها أمور يديهية لطالما كرهها .. لكن ما أهمه هو أن..شادي..بينهم !
ظن في البداية أنه يتخيل..لكنه حين أمعن النظر تيقن من نظرته..
"منذ متى كان شادي يخرج مع هؤلاء ؟ لا أصدق عينيّ !..لابد أن أكلمه"
و ركض إلى مدخل الحديقة متجهاً إلى حيث جلس هؤلاء..
توقف على بعد قصير و صاح و هو ينظر إلى شادي : شادي ، ما الذي تفعله هنا ؟
و التفتت كل الوجوه إليه ..
قال أحدهم و هو يسأل شادي : أهذا صديقك ؟
أخذ شادي يواصل النظر كأنه ينظر إلى شجرة أو ما شابه ! لا إلى شخص يناديه
فأعاد عادل نداءه : شادي .. ما بك ؟ تعال إلي قليلاً ، أود أن أكلمك في موضوع ما
لم يرد عليه ! فاقترب عادل أكثر من المجموعة..وضع يده على كتف شادي قائلاً : تحرك..!
حينها رفع الأخير يده مبعداً يد عادل عن كتفه..و هو يصيح به : ما الذي تريده ؟
بدت أمارات الدهشة على وجه عادل ، قال بلهجة فاضحة لكل ما يشعر به من صدمة :
ألا تعرف من أكون ؟!
و أجاب محاولاً التغلب على تعابيره التي تتناقض كل التناقض مع اللهجة التي يحاول استعمالها :
لا يهمني من تكون..و الآن هللا ابتعدت من هنا ؟
-شادي !! أفقدت الذاكرة أم ماذا ؟ أنا عادل..صديقك !!
-ليس لي صديق بهذا الاسم
هنا تدخل أحد الذين في المجموعة : يبدو أنك مخطئ يا صاح ! أنت تبحث عن شادي آخر
و ضجت المجموعة في الضحك..الأمر الذي مد شادي بالشجاعة للضحك معهم !
صاح عادل بنبرة أسكتت ضحكاتهم : أنا لست مخطئاً ! أنت شادي الذي أعرفه..و أنت كذلك تعرفني
تمام المعرفة..و أما أنتم..فانظروا إلى تعابيره لتعرفوا مدى صدقي !! ردة فعله تثبت أني على
حق..على كل حال..فها أنت أردتها يا شادي..لا تريد صحبتي بعد الآن..كما تريد إذاً..
-كف عن الثرثرة و ابتعد !
-سأبتعد..لكن ليس طويلاً .. سترى ما سأفعله يا شادي..سترى !
و ابتعد موارياً وجهه الذي أخذت تبلله دموع ساخنة !
"أيعقل هذا ؟ أنا لم يخطر لي في حياتي أن يتخلى شادي عني ! ما الذي دفعه إلى التصرف
هكذا ؟ هو لم يتخلى عني فحسب..لقد أنكر معرفته بي من أساسها..لمَ فعل ذلك ؟ أنا ما
كنت لأفعل هذا مهما حصل و تحت أي ظرف كان..شادي..الوحيد الذي كنت أثق به ! الوحيد
الذي كان صادقاً و لم يتغير خلال عدة سنوات ! لكنه كشف لي الآن عن وجهه الآخر ! لكن
..لا .. هذا ليس وجهاً آخرشادي ليس منافقاً..شادي لم يكن يمثل في صداقته..إنه فقط..
انقلب الآن رأساً على عقب! و لسبب مجهول..!"
أخذ يمسح وجهه ثانية و حبس أدمعه كي لا يلحظها أحد لدى دخوله إلى المنزل
دخل غرفته مباشرة..أخذ حماماً قصيراً..ثم استلقى على سريره..
هدوء غريب يعيشه..شعور يوشك أن يجعله ينفجر صارخاً من أجل تفريغ الشحنات المختلجة
في صدره..
"ما الذي فعلته له ؟ ما الذي جعله ينكرني ؟!.. "
ثم اتسعت عيناه كمثل من أدرك أمراً ما طوته الذاكرة منذ زمان طويل ..
"بمجرد تصرف واحد منه سالت دموعي ! فقط لأنني كنت صادقاً معه و هو لم يكن !
إن الأمر يذكرني بطريقة مفزعة..بما اقترفته ..مع ..طارق !
طارق كان صادقاً منذ البداية..واثقاً بي..و باستجابتي لصداقته.. لكنني لم أفعل !
و إنما كنت أتصرف بما هو أسوأ بكثير من موقف شادي اليوم..
ماذا لو كان هذا جزائي من رب العالمين !!! ماذا لو كان عقاباً لما سببته لطارق ؟
أي قلب أملكه ؟! كيف لم أفكر بإحساسه بعد كل كلمة جارحة أوجهها له ؟
ربما لم أفكر بهذا لأنه لم يكن يبدي أي انزعاج أو غضب..لكنه بالتأكيد كان يشعر بحزن عميق !"
[8]
رسائل و اعتذار..!
نهض عادل إلى شاشة حاسوبه و كله رغبة في الحديث مع طارق..
طافت أصابعه فوق الأزرار بسرعة على غير العادة ، و كله أمل في أن يجد طارق متصلاً و متواجداً
أخيراً فُتح الماسنجر..تفحص قائمة الاتصال..و لم يجده بين المتصلين!
ترك الماسنجر و باشر بالدخول إلى المنتدى ، و هناك وقع بصره فوراً على قائمة المتواجدين
تفحصها اسماً اسماً ، و لا أثر للقادم من الظلام
كاد يخيب أمله لولا أن رأى مسمى "حلم قديم" يطل بكل وضوح!
ضغط على المسمى و فُتحت له صفحة الملف الشخصي..
ضغط على "إرسال رسالة خاصة" لتفتح الصفحة التي أرادها
هم بالكتابة ، لكنه توقف عند أول حرفين !
"حتى هذه الفتاة أخطأت في حقها ! ، يبدو أنني لم أترك أحداً إلا و لقنته شيئاً من الاستحقار !
لكن..هذه الفتاة بالذات لم أوجه إليها أية إهانة صريحة ، و إنما اقتصر الأمر على بعض العبارات و
التلميحات فقط ، ماذا لو تجاهلت رسالتي ؟ سوف لا أحسد على موقفي حينها .. و سأظهر
بمظهر الغبي الذي لا يملك لنفسه عوناً .. و الذي يستجدي المساعدة من فتاة تمقته !
هل يمكن أن تتصرف هكذا معي ؟ لن أعلم بالأمر إلا إن جربت.."
و شرع يكتب ...
[السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أود أن أسألك سؤالاً حول أخوك طارق
لم أره منذ مدة طويلة
ما الذي يمنعه من الدخول يا ترى؟
هل أصابه مكروه -لا سمح الله - ؟
أعتذر عن الإزعاج]
كانت ندى تتجول حينها بين أقسام المنتدى حينما ظهرت لها تلك النافذة التي فاجأتها
لم تكن من عادتها أن تتلقى رسائلاً من الأعضاء ، و كانت تتوتر عندما ترى أية رسالة جديدة
لكن هذه المرة..إنها ليست رسالة جديدة وحسب ، و إنما هي .. من "عابر سبيل" !
انتفضت في مكمنها و هي ترمق اسم المرسل..
تسارع نبضها .. و أخذت تحدق في الشاشة لدقيقة كاملة قبل أن تقرر عرض الرسالة
"عابر سبيل بذاته !! ما الذي دفعه إلى مراسلتي ؟ ماذا يريد يا ترى ؟"
فتحت صفحة عرض الرسالة ، و بان المحتوى..أخذت تقرأ كلمة كلمة و ببطء !
و أطلقت زفرة ارتياح حين انتهت..
"الحمدلله أن هذا هو غرض الرسالة ، لقد شرد ذهني إلى ما هو أبعد بكثير !
ماذا لو كان حقاً قد عرف بذلك الأمر ؟ كنت سأموت رعباً حينها ..
مع أنه هذا مستحيل..الأمر يشبه حال المجرم الذي ينتهي من جريمته
و يغادر مسرحها..و ما إن يرى أول شرطي مرور حتى يفزع رغم أن
الجريمة لم تكتشف بعد و رغم أن شرطي المرور لا شأن له به!
لكن..هل أنا مجرمة ؟ ..لن أتابع التفكير في هذا!! "
و هنا فطنت إلى أمر أثار استغرابها..
"هل أنا أتخيل أم أن لهجة عابر سبيل في الكلام قد تغيرت ؟
منذ متى و هو يعتذر عن الإزعاج و يتحدث بكل هذه اللباقة ؟
أمر غريب حقاً !! "
تنفست بعمق حتى هدأ نبضها قليلاً..ثم باشرت بالرد على الرسالة
[وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته
في الحقيقة لا أعلم
لكن يمكنك أن تراسله عبر البريد الالكتروني أو الرسائل الخاصة
و لا تعتذر..فرسالتك لم تسبب أي إزعاج أبداً]
تلقى عادل الرسالة على عكس توقعاته ، قرأها و كتب لها رده
[أخشى أن لا يقرأ الرسالة إن أرسلتها
فعلى ما يبدو أنه لا يدخل الآن على الإطلاق
على كل ، شكراً لك ]
قرأتها و ازدادت يقيناً بالتغير الحاصل في شخصية عابر سبيل !!
ليست من عادته أن يشكر أحداً..و ليست من عادته أن
يكتب دون أية تلميحات بالدونية !! الأمر الذي شجعها على كتابة رد أطول هذه المرة
[عفواً ، لم أفعل شيئاً..
إذا كان الأمر هكذا فيمكنني مساعدتك في جعله يقرأ رسائله
سأرسل له أنا رسالة عبر البريد الإلكتروني..و أطلب منه قراءتها
تكون أنت قد أرسلت رسالتك ، هكذا يكون قد فتح بريده و انتبه إلى رسالتك
لكن عندي رجاء وحيد..أرجو أن لا تخبره بأمر هذه المراسلة !
مع السلامة]
نقرت على زر الإرسال ، و خلال ثوانٍ كان عادل يقرأ ما كتبت
"إنها حقاً فتاة مؤدبة ! تتكلم بلهجة عادية دون تصنع و تدليل للنفس كما تفعل الأخريات
إنهن يظهرن على حقيقتهن من خلال الرسائل الخاصة..لكن هذه الفتاة..بدأت أدرك بأنها مختلفة نوعاً ما
و أني كنت مخطئاً جداً حين ظننت ظنون السوء بها..و الأسوأ حين أقحمتها في آخر محادثة لي
مع أخيها !
كم كنت جاهلاً و وقحاً !"
[شكراً على مساعدتك
و لا تقلقي ، لن يعلم بشيء
مع السلامة]
و ضغط زر الإرسال..!
و بسرعة كبيرة كان قد انتقل إلى بريده الإلكتروني.. و بدأ بكتابة الرسالة التي سيرسلها إلى
طارق :
[السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
كيف حالك ؟
أتمنى أن تكون بأتم صحة و عافية
لا تتجاهل هذه الرسالة أرجوك !
أنا هنا لأعتذر لك عن كل ما بدر مني
منذ أن أرسلت لك تلك الرسالة في المنتدى !!
آسف !
آسف حقاً..و أرجو أن تسامحني على كل شيء
أنتظرك على الماسنجر]
[9]
زيارة مفاجئة ..
بعد عدة ساعات من الجلوس و الحملقة في الماسنجر ،
لمح عادل النافذة التي كان ينتظرها
"القادم من الظلام يسجل دخوله ! "
بادر بالحديث على غير عادته فيما مضى..
عابر سبيل : السلام علكم و رحمة الله و بركاته
عابر سيل : أهلاً أهلاً بالامبراطور !
القادم من الظلام : وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته
عابر سبيل : آسف !
القادم من الظلام : لقد قرأت رسالتك ، هذا يكفي لا أريد منك أن تعتذر لي مجدداً
عابر سبيل : لكن أسلوبي لم يكن مقبولاً أبداً..كنت وقحاً و كلمتك بكل تلك القسوة
طوال الوقت عن قصد و برغبة في إزعاجك و بلا دوافع !! لو كنت مكانك لما فكرت لحظة في
مسامحة من احتقرني ..
القادم من الظلام : لكني سامحتك و انتهى الأمر،هللا غيرت هذا الموضوع ؟
عابر سبيل : لا تقل أنك سامحتني..اشتكِ..تذمر..اشتمني..افعل أي شيء يدل على
غضبك مني..حتى أشعر بأنك لم تعد تكتم أي ضيق و أنك سامحتني حقاً
القادم من الظلام : أنا متصل الآن لأجلك فقط..لا يهمني بقية المتصلين..عودتي و دخولي
مجدداً مخصوص لمحادثتك أنت..لأنك من رغبت في ذلك..فما تفسيرك لهذا الفعل لو لم
أكن قد سامحتك ؟
عابر سبيل : شكراً على هذا الكلام ، لكني أشعر بأنني لا أستحق..لا أستحق..
القادم من الظلام : بل تستحق..و ليكن في علمك أن اعتذارك هذا لم يغير شيئاً من
معزتي السابقة لك..مازلت أعتبرك أخا و صديقاً مقرباً
عابر سبيل : و أنت كذلك..أنت صديقي و أخي .. و أنا أثق فيك كل الثقة ، فقط سلني
أي شيء عن حياتي الواقعية و سأجيبك لأثبت لك هذا..
القادم من الظلام : أرجو أن تكون تثق فيّ حقاً ، لكني لا أسعى إلى جمع المعلومات عنك
أو ماشابه..قل ما أردت و أخفِ ما أردت..هذه حريتك ..لكن لدي سؤال وحيد
عابر سبيل : تفضل سل ..
القادم من الظلام : ما الذي غيرك ؟...
و استمر الحوار إلى الفجر ، و صارح عادل صديقه بم لم يصارحه لأحد
تحدث ..عن عائلته..عن دراسته..آرائه في الناس و الحياة..عن شادي !! و أمور كثيرة
عصر ذلك اليوم ، جلست ندى تشاهد التلفاز حين رن هاتف المنزل
لم يكن من عادتها الرد على الهاتف..لكن لم يكن في المنزل غيرها..و لذا أجابت
ندى : مرحباً..من معي ؟
-أنا ديمااا..كيف حالك ؟
امتقع وجه ندى نوعاً ما ، حاولت أن تبدو لهجتها مرحة..أجابت :
أهلاً ديما ! يا للمفاجأة ..لم أتوقع اتصالك..إنني بخير و أنتِ ؟
ديما : الحمدلله أنا بخير..ليست هذه المفاجأة..هناك مفاجأة أخرى يا عزيزتي
ندى : و ما هي هذه المفاجأة ؟
ديما : افتحي باب منزلكم و ستجدينها !! مع السلامة ، أراكِ بعد قليل وجهاً لوجه
كانت تلك العبارة بمثابة صاعقة شلت ندى..إلا الزيارات..إلا الزيارات !!!
"إنها تعلم أنني لا أحب الزيارات..لاسيما المفاجئة منها !! لماذا تفعل هذا ؟ ياإلهيي !
ليتني لم أعطِها عنواني..ليتني لم أفعل.. "
ديما : ندى هل أنت على الخط ؟ لمَ لا تردين ؟
ندى :آه نعم..سأفتح الباب حالاً..
أغلقت الخط و هي تشعر بانزعاج لا مثيل له..ركضت إلى المرآة لترتب بشكل سريع خصلات
شعرها المتناثرة و ملابسها..لملمت ما كان ملقى في الممر..و هرعت إلى الباب تفتحه
بدت ديما في أرقى حلة لها...إلى درجة زادت ندى انزعاجاً..لا مجال للمقارنة بين مظهرها
العبثي و مظهر ديما الأنيق !! لكنه ذنبها..ذنبها لا ذنب ندى
رسمت ابتسامة عريضة و هي ترحب بصديقتها : أهلاً آنسة ديما..لم أتوقع مفاجأك هذه..تفضلي
ادخلي..!
ردت ديما بمرح عفوي : أنا مسرورة لأني أخيراً في بيتك ! لا أظن أن الفرصة قد أتيحت لغيري
من صديقاتك قبلي أليس كذلك ؟
ثم أطلقت ضحكة قصيرة تقبلتها ندى بمرح مصطنع..أجابت : نعم نعم..أنت أول من يزورني في
منزلي ..تعالي اتبعيني إلى غرفتي يا بطلة..
صعدت درجات السلم و تبعتها ديما..كانت تسير و تدير ناظرها إلى أقصى عدد من النواحي التي
تستطيع بلوغها..!!
شعرت بأن البيت هادئ جداً..و كأنه مهجور..فسألت : أين عائلتك يا ترى ؟
أجابتها ندى : خارج البيت..و في نفسها أردفت "لحسن الحظ ! "
وصلا إلى الغرفة..أغلقت ندى الباب و جلست برفقة ديما على طرف السرير
تابعت ديما أسئلتها : لمَ لم تذهبي معهم إذاً ؟
ردت : ليسوا معاً..كل وحد في مشوار منفصل..والداي مثلاً ذهبا للتسوق من المركز التجاري
و أنا لا أحب التسوق..أخي الأصغر ذهب إلى نادي كرة القدم..و أخي الأكبر لا أعرف إلى أين ذهب
-هكذا إذاً ! هذا سيء..تمنيت أن أتعرف إلى عائلتك..
-لا أنصحك بهذا..أهلي لن يحبونك أبداً..أنا آسفة حقاً..لكني متأكدة من هذا..أهلي يهمهم الظاهر
فقط..
شعرت ديما بشيء من الضيق..سألتها بنبرة أخفت : و أنتِ ؟
فطنت ندى إلى أسلوبها الذي كاد يقترب من السماجة ، فبادرت بتصحيح الأمر : قلت لك مراراً
أنني لا أهتم بالمظهر..الجوهر هو ما يهم..و أنتِ تعرفين جيداً رأيي فيك !! ديما أنت صديقتي
الوحيدة!
ارتسمت السعادة بذاتها على وجه ديما و هي ترى انفعال ندى في تصحيح ما التبس..
قالت بابتسامة : شكراً عزيزتي !
نهضت ندى و هي تشعر بالتوتر ، قالت متجهة إلى الباب : سأذهب لأعد العصير..أرجو أن لا
تنزعجي من بقائك وحيدة لعدة دقائق..
نهضت الأخرى قبل أن تكمل ندى الجملة ، و قالت : سآتي معك..أتمانعين ذلك ؟
مزيد من الإحراج !! و مزيج من التقبل و النفور..ندى تحب ديما في الحقيقة..لكنها تكره
بعض طباعها..و أبرزها هذا التطفل !
-أنت ضيفة هنا .. لا ينبغي عليك الدخول إلى المطبخ
-أووه..كفي عن هذا يا فتاة ! أنا صديقتك و لست مديرة مدرستك..!
ثم اتجهت إلى الباب ضاحكة مستعدة لاتباع خطوات ندى !!
"ما دامت ستتبعني على كل حال فلماذا استأذنت ؟ على كل هي تزورني لأول مرة..
و لن أبدي أي اعتراض على ما تقوله مرة أخرى كي لا تشعر بأني لم أتقبل زيارتها"
و ما إن دخلتا إلى المطبخ حتى سمعتا صوت باب المنزل يفتح ، ثم خطوات تقترب
-سأذهب لأرى من يكون هذا .. أخشى أن يكون أخي طارق
-دعيه يأتي ، لم تريدين منعه ؟
لم يكن هناك متسع من الوقت للتحاور..فتركت ندى صديقتها في المطبخ و خرجت
وقفت ندى على بعد قليل من الطبخ و همست للقادم : ماذا تريد من المطبخ لأحضره ؟
صديقتي بالداخل !
-و منذ متى كانت لك صديقات يزرنك هاه ؟ أريد أن آكل أي شيء لأني جائع !!
-هل يمكنك الانتظار لدقيقتين ؟
لم يرد و إنا استدار و جلس على أحد الكراسي و أشعل التلفاز !
ديما كانت تشتعل فضولا -لو صح التعبير- !! اقتربت من باب المطبخ حتى كادت تبين
ذلك الشخص هو من يحيرها..ليتها فقط تستطيع كسر كل هذه الحواجز المعقدة
لماذا من المستحيل عليها أن تكلمه؟ لماذا يعتبر عيباً ؟!!! إنه عيب بعرف عائلة ندى
لكنه ليس كذلك بالنسبة لها..لقد نشأت في أسرة متفتحة..و درست أولى سنواتها
في مدرسة مختلطة..كل هذا ساهم في عدم اقتناعها بكثير من الأعراف السائدة..
"سأكلمه ما دمت قد وصلت إلى المنزل! لابد أن أسمعه يكلمني حتى أستطيع تحليل
و لو جزء بسيط من شخصيته !!سأفعل..حتى لو انزعجت ندى !! "
[10]
الورقة البيضاء ..
تقدمت ديما بخطوات واثقة إلى حيث يجلس طارق ، تجمدت الدماء في عروق ندى حين رأت ما
تقدم عليه رفيقتها..تقدمت نحوها محاولة سحبها إلى المطبخ..لكن ديما لم تستجب
و إنما قالت بصوت مسموع : اذهبي إلى المطبخ و سألحق بك بعد قليل يا عزيزتي !!
كان هذا الموقف وراء ظهر طارق..لكن لم يستدر ليرَ صاحبة الصوت
أدركت ندى نية ديما ، تعاظم قلقها و توترها ، أخذ نبضها يتسارع و الرجفة على وشك أن تعتريها..
تمتمت بهمس : د..ديما..أرجوك لا داعي لهذا..لا يمكن..ك..أن..
لكن ديما لم تسمع شيئاً من هذا.. و إنما واصلت تقدمها حتى طرف الكرسي ،
كادت تمد يدها مصافحة لكنها آثرت أن لا تزيد الطين بلة..
-مرحباً..يا طارق !!
التفت الجالس إليها ، و كله دهشة..لكن هذه الدهشة سرعان ما ذوت ليحل محلها إيحاء بالرضا
و ابتسامة لربما دلت على شيء من السخرية..
-أهلاً..أنتِ صديقة ندى ؟
-نعم ، و اسمي ديما..
-اسم جميل !
-شكراً..
-ترى..هل أعرف أحداً من أقاربك ؟
شعرت ديما بشيء من الحرج إذ أنها لم تكن تحضر موضوعاً بعينه للحديث حوله..
لكنه تغلبت على حرجها و ردت بنفس اللهجة : لا لا .. لكنك تعرفني و لا تعرف أنك تعرفني !!
سأل بشيء من الحيرة : هل هذا لغز ؟
أطلقت ضحكة ثم قالت بنبرة لها معنى : أنا عاشقة الليل !
حينها تدخلت ندى و قد رأت أن هذا يكفي ..
-ديما ..ديما..تعالي أريد أن أريك شيئاً..
نظر إليها طارق بنظرة أجفلتها توتراً : لمَ تريدين المقاطعة ؟!
-لا..لم أرد المقاطعة..!! لكن..امم..و لم تجد ما تقوله..فاستدارت و ذهبت مسرعة إلى المطبخ..
"لا يمكن أن يحدث هذا ! يا إلهي..لكن كيف..كيف أوقف حديثهما هذا !!
طارق الغبي لن يسمح لي بمقاطعة فرصة كهذه !! إنه لا يتحدث بكل هذه اللباقة باعتبار ديما
أختاً أو زميلة كما تفعل هي !! إنه شخص سيء..كل ما يفعله الآن هو استدراجها..لن ينطلي
عليها شيء و سرعان ما تكتشف حقيقته..لا أريد التنبؤ بالمزيد ! لأن هذا لن يحصل..
لماذا يا ديما ؟! لماذا ؟! "
و في هذه اللحظة أخذ هاتف ديما المحمول بالرنين !! كان في المطبخ..
و كان الرنين في وقته تماماً..لكأنه جاء لينقذ الموقف..
تناولته ندى و أسرعت إلى ديما و هي تناديها : هاتفك يرن منذ مدة يا ديما !!
-معذرة يا طارق..سأذهب لأرد على هاتفي..
لمحت ندى شيئاً أبيضاً كورقة في يد ديما..أدركت أنه إما أن يكون رقم هاتف أخيها..
أو بريده الالكتروني ..
"لن أسمح بهذا.. هذه المعرفة يجب أن تبتر من أساسها..."
لحقت ديما و هي ترجو أن لا تسجل الأخيرة ما كُتب في الورقة هلى هاتفها..
أمسكت ديما الهاتف و ردت على المكالمة..و لم تكن المكالمة سوى تحديد لحفلة جديدة من
حفلات إحدى صديقاتها!!
و لكي لا تعود ديما إلى التحدث مع طارق..أخذت ندى العصير قائلة : هيا تعالي لنشرب العصير
في غرفتي !!
و سبقتها إلى الأعلى..
لم تغيب ندى ناظرها عن تلك الورقة..و كل ما كانت تفكر فيه هو إبعاد الورقة أو تضييعها !!
لكن كيف ؟؟ كيف ؟! يستحال أن تنصح ديما بالابتعاد عن طارق..عندها ستزرع الشك و العشرات
من الأسئلة..التي ستغري ديما بالمزيد..
لاحظت ديما شرود صديقتها ، قالت بعد أن رشفت رشفة من العصير : أنا آسفة لأني فعلت ذلك ،
لكنني لم أتمالك فضولي !! أردت أن أعرف من يكون القادم من الظلام !!
قالت ندى و قد أحبطت محاولاتها لجعل لهجتها عادية أو مرحة : و كيف وجدتِه ؟
-لا أدري في الحقيقة..لكن هناك اختلاف كبير .. كنت أتوقع أن يخجل من التحدث إلي لكنه بدا
راضياً !! بل و رحب بي و أعطاني رقم هاتفه !! لقد كنت أظن أن القادم من الظلام لا يكلم
الفتيات على الماسنجر..لكني كنت مخطئة على ما يبدو..
"أعطاها رقم هاتفه إذاً..توقعت ذلك..لكن..لن يتم شيء من هذا.."
قالتها في نفسها و هي تنظر بثبات إلى العصير..!
-ندى هل لكِ أن تجيبيني بصراحة عن هذا السؤال ؟
-تفضلي.."قالتها و هي تكاد تتفجر غيظاً من هذا الفضول كله "
-هل طارق مُصاب بمرض نفسي أو ماشابه ؟
-هل لي أن أعلم سر هذا الاهتمام ؟
قالتها بعفوية أظهرت شيئاً من انزعاجها الذي مازالت تحاول كتمانه !
-لمَ أنتِ منزعجة هكذا ؟! آسفة على سؤالي..لن أقول شيئاً آخر
-لا لا ، أنا ..لست ..منزعجة..
رغم أن نبرة الكلام كانت تدل على العكس تماماً..
-اسمعيني يا ندى..أنا أعتذر لأنني سببت لك كل هذا الانزعاج.. لكني مازلت لا أفهم..ما دمتِ
تعتبرينني صديقة لك فلمَ تخفين كل شيء عني ؟
-أنا لم أخفِ عنك كل شيء ..
-أقصد..لماذا تنزعجين من بعض الأسئلة ؟ صدقيني لن أبوح لأي كان أنكِ قلت لي شيئاً كهذا..
أخوك لن يعلم أبداً !! ألا تثقين بي ؟
-بلى ، أثق بك ثقة كبيرة ..و سامحيني لو كنت فظة بعض الشيء
-أنتِ لست فظة أبداً..
كان الصمت يخيم بشكل مريب..يخيم لأن ندى كانت تفكر..تفكر..في طريقة لإبعاد تلك الورقة..
-حسناً لنغير الموضوع..هل تحبين رؤية بعض الصور ؟
-نعم..بالتأكيد !
فنهضت إلى خزانتها و أخرجت ملفاً كبيراً..جلست على السرير لتلحقها ديما التي أنساها
الحماس كل ما فات !
تناولت الملف الكبير و أخذت بالتصفح..
-حسناً..أنا ذاهبة إلى الحمام يا ديما..
ابتعدت و هي ترى عيني ديما مثبتتان على الصور في الملف..
و كان سهلاً..جداً..أن تنحني و تلتقط الورقة البيضاء على الأرض و هي في طريقها إلى الحمام..
شعرة بنشوة السعادة إياها..أغلقت الباب خلفها و اتجهت إلى المغسلة..فتحت صنبور المياه
على تلك الورقة..و أخذت المياه تنساب لتمحي الحبر الذي كان منقوشاً على الورقة..
ذوى و انمحى و اسحالت الورقة إلى رقائق شفافة سرعان ما اختفت في الفجوة العميقة..
"هكذا لن يكون هناك أي مجال لاستعادتها ! "
[11]
مخاطرات..بدافع الفضول
خرجت ندى من الحمام و هي تحاول بقدر المستطاع أن تضبط ضربات
قلبها التي أخذت تتسارع ، جلست بجانب ديما تنظر معها إلى الصور في الملف الكبير..
قالت ديما بهمس دون أن تبعد ناظريها عن الصور : ليت لي عائلة مثل عائلتك يا ندى..
تبدو عائلتك مترابطة على عكس عائلتي..
أجابت ندى بهمس مشابه : لا تغرنك المظاهر يا ديما.. فأنا كثيراً ما تمنيت لو لم أولد
بسبب هذه العائلة..
-أنتِ لا تقدرين النعمة التي تعيشين فيها..
-ربما كان كلامك صحيحاً..فحالي أفضل من حالات أخرى كثيرة ..
تابعت الفتاتان التصفح بصمت ، إلى أن قطع هذا الجو رنين هاتف ديما ثانيةً..
نظرت إلى الهاتف لترى أن المتصل هي صديقتها التي اتصلت بها قبل قليل لتحدثها عن الحفلة.. أجابت ديما : مرحباً زهرة !
-أهلاً.. أين أنتِ الآن يا ديما ؟ أريدكِ أن تأتي و تساعديني في أمور تجهيز الحفلة..فالحفلة
بعد يومين !
-أوه..أنتِ تتصلين في وقت غير مناسب يا زهرة..أنا في بيت صديقتي الآن
-أية صديقة ؟
-صديقة من المدرسة ، أنتِ لا تعرفينها
-تستطيعين زيارتها في أي وقت كان ، أنا أحتاجك الآن ! لن أستطيع الخروج للتبضع غداً..
-حسناً ، لا تفقدي أعصابك .. سأكون عندك في حدود ساعة و نصف !
-إلى اللقاء !
-مع السلامة !
أغلقت السماعة و قد أزعجتها هذه المقاطعة ، لكنها سرعان ما تذكرت أنها نالت
مرادها و أن رقم طارق بات في حقيبة يدها ! فلا ضير من الانصراف الآن..
التفتت إلى ندى قائلة : علي الذهاب الآن ! صديقتي زهرة تريد مني المشاركة في
تجهيز حفلة لبعد الغد..أراكِ في الماسنجر !!
و نهضت بطريقة مماثلة لنهوض الشخصيات المهمة أصحاب الجداول المزدحمة ..
وضعت نظارتها الشمسية و لوحت لصديقتها ثم ركضت إلى الخارج !!
وقفت ندى مشدوهة للحظة ، قالت في نفسها "حقاً..لا أعلم ما الذي يدفع فتاة
مثل ديما لتتخذ مني صديقة !! إنها تتمتع بكل ما أفتقر إليه..لو تدربت لعام على
هذه الحركة لما نجحت في إتقانها مثلها "
حمدت الله على أن ديما لم تنتبه لموضوع الورقة البيضاء قبل رحيلها ،
فهذا يبعدها عن الشبهة ، إذ أنه من المفترض أن الورقة بحوزتها ، و حين تكتشف
اختفاءها..ستظن أنها فقدتها بالخارج ..
حملت العصير و نزلت درجات السلم ببطء..التفت إليها طارق الذي كان لا يزال جالساً
على تلك الأريكة يقضم قضمة من لفافة خبز يبدو أنه أعدها لنفسه أثناء جلوسهما
في الأعلى..
قال بنبرة لا معنى لها : لم أتوقع أن يكون لكِ صديقات ! بل لم أكن أتوقع أن يكن مثل ديما !
أجابت بتحفظ : ماذا تعني ؟
-لاشيء ، لكني متعجب حقاً !
-متعجب من أن لي صديقات ؟
-نعم !
لم تعرف بمَ ترد..كانت تخالجها رغبة شديدة في أن تصرخ في وجهه و تقول : أتظن
أنك الوحيد الذي يملك الحق الإنساني في اتخاذ الأصدقاء ؟ و أنني أقل منك شأناً ؟
لكنها صمتت بالطبع ، فهي لا تملك الشجاعة الكافية ، إضافة إلى أنه أخوها الأكبر..
و عليها احترامه سواء شاءت أم أبت ..
أبعدت طرفها عن ملاقاة عينيه الساخرتين و تابعت سيرها إلى المطبخ ، وضعت
الأكواب ثم صعدت راكضة متجاوزة الدرجات اثنتين اثنتين..
دخلت الغرفة و أغلقت الباب خلفها ، و هرعت إلى الجهاز العزيز ، لتطمئن على
حال بيتها الثاني..ذلك المنتدى..و تريح خاطرها بقراءة مشاركات عابر سبيل !
كانت تبتسم ابتسامة غريبة..أو لنقل شبه ابتسامة..و تنظر بنظرات طويلة ينبعث
منها الألم و هي تقرأ مشاركاته الجديدة..التي تغيرت فيها لهجته كلياً..
بدأ أعضاء المنتدى يتقبلونه ، و لم تجد له أي خلاف مع أي عضو منذ تلك الرسالة
التي سألها فيها عن أخيها..
مر الوقت و حل المساء ثقيلاً مخيماً على النفوس ، كانت ديما قد وصلت إلى بيتها للتو ،
تلهث بعد هذا اليوم الطويل المتعب .. فهي منذ طلوع الصباح تجول هنا و هناك بسيارتها
التي حصلت على رخصة قيادتها في سن السابعة عشر ، و التي عارضوا منحها إياها
بدايةً ، لكن الأمور سارت على ما يرام بتدخل من قريبها الذي يشغل منصباً حساساً
في الهيئة المعارِضة.
كان البيت هادئاً ، أخويها التوأمين نائمين ، فقد تعودا النوم مبكراً حتى في أيام الإجازة..
و أبوها جالس لوحده يشاهد التلفاز..
ألقت التحية عليه و هي تركض إلى غرفتها ، و هو اكتفى بأن رد التحية بنظرة إذ لم
يمنحه المقام الفرصة للكلام.. على كل فهو اعتاد هذا التأخر من ابنته ، و هو يثق
فيها ثقة عمياء مهما فعلت و بأي مظهر خرجت و مهما تأخر وقت عودتها !
فلذلك لا يسألها أبداً أين كنتِ و ماذا فعلتِ ، بل يتركها حرة و يمنحها كل ما تريد..
ألقت ديما بنفسها على السرير تريح عظامها التي بدأت تؤلمها ..
"كان هذا يوماً حافلاً ! "
نظرت إلى يمينها حيث ألقت الحقيبة ، مدت يدها لتسحبها إليها..ارتسمت ابتسامة
عريضة على ثغرها و هي تفتح الحقيبة و تفرغها بجانبها ..
انقلبت على بطنها لتتفحص المحتويات أمامها ، أخذت تزيح الأغراض باحثة عن تلك الورقة.. قلم..مرآة.. مكحلة.. هاتف نقال..مفتاح..ملمع شفاه..محارم ورقية ..مشط..دبوس..
صاحت بلا شعور و قد قفزت من على السرير لتقف على الأرض بانفعال حقيقي :
لا وجــود للورقـــــــــة !!!!!!!!
عادت إلى البحث بجنون..أخذت تمسك كل ما أمامها و ترميه أرضاً بعد أن تتأكد أنه ليس الورقة !!
في النهاية وقفت خائبة محبطة..
"أيعني هذا أني لم أحقق شيئاً اليوم ؟! ألم تكن زيارتي لمنزل ندى مخاطرة كافية ؟!
كيف يمكنني الذهاب مرة أخرى و مقابلة طارق و طلب رقمه منه !! لا أظن هذا ممكناً..
لو كررت هذا الأمر فربما تنقطع علاقتي بندى ..و أنا لا أريد أن أشعِر تلك الفتاة بالحزن
لأني أحبها حقاً !!"
لم تعر مسألة كيفية إضاعة الورقة اهتماماً حقيقياً..و جل ما فكرت فيه هو أنها مرت
في أماكن كثيرة و احتمال أن تضيع الورقة في أي من هذه الأماكن أمر وارد جداً..
فلا داعي للتحذلق و التفكير..لأنها لن تفلح في التذكر و التحليل..
أطلقت نفساً عميقاً و جلست على حافة السرير تنظر إلى الفراغ..رفعت رأسها لترى
حاسوبها المحمول أمامها..
"أستطيع الوصول إليه بطريقة مختلفة.. أنا مشاركة في ذلك المنتدى.. و أستطيع
مراسلته بكل سهولة هناك و طلب بريده الإلكتروني و إضافته !! نعم ! جهودي لم تذهب سدى..
فالبرغم أني فقدت الورقة إلا أني ظفرت بتيقني أن لا مانع لديه من محادثة الفتيات !!
فلا سبب يمنعني من التواصل معه عبر الماسنجر.."
عادت الابتسامة إلى الارتسام و استلقت على سريرها .. لتغرق في سبات امتد إلى
اليوم التالي..دون أن تغسل وجهها من المساحيق حتى !
استيقظت ديما قبيل الظهر في اليوم التالي ، استحمت و تناولت الإفطار..ثم جلست
وسط السرير رافعة غطاء حاسوبها المحمول..
دخلت المنتدى فوراً..و مرت بناظريها على الأسماء نظرة سريعة لتتوقف عند "القادم من الظلام"..ضغطت على الاسم و فتحت الصفحة المعنية بالرسائل الخاصة..
أخذت تكتب و نشوة النصر تغمرها :
| مرحباً طارق
أريد عنوان بريدك الالكتروني إذا سمحت
لأني أريد أن أناقشك في بعض الأمور |
ضغطت زر الإرسال ، ثم انتقلت إلى الماسنجر..تفتحه لتضيف طارق !!
انتظرت دقيقة..دقيقتين..خمس دقائق..عشر دقائق
كانت تتأمل ملفه الشخصي و تقوم بتحديث الصفحة لترى النشاط الذي يقوم به..
منذ عشر دقائق و هو يكتب رسالة جديدة !! متى ستنتهي هذه الرسالة يا ترى ؟!
و لماذا تأخر ؟ هذا ما كان يشغل ديما و يخرجها عن صبرها..
و بعد مرور عشر دقائق أخرى..جاءها الرد أخيراً ..
فتحت الرسالة ..
| أهلاً ديما
هذا هو بريدي الالكتروني ********@hotmail.com |
أضافته في أقل من نصف دقيقة.. و جلست تنتظر دخوله..و هي تتأمل الشاشة بوجه مبتسم..
و مرت الدقائق مجدداً دون أن يحدث أي شيء..!!

وليد محمد محمود الشيخ 23 - 11 - 2010 15:55

رد: حينما تعزف قيثارة الصمت ألحانها
 
القصة طويلة جدا ولم اصل الي مغزتها


الساعة الآن 15:06.

Powered by vBulletin Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
ترقية وتطوير: مجموعة الدعم العربى
جميع الحقوق محفوظه لمدينة الاحلام ©


SEO by vBSEO