تجاره فنانون يعطون لغيرهم دروسا في الصبر والموهبة

الرباط: عبد الله الدامون
الزيتون في المغرب ليس مجرد مادة غذائية لذيذة، إنه أيضا فن. فن في طريقة وضعه على المائدة، وفي طريقة إعداده المتنوعة، وفي أكله وفي عرضه في الأسواق، وهذه أقصى درجات التفنن الذي يشبه عملية نحت حقيقية أو رسم لوحة تتناسق فيها الأشكال والألوان. لكن إذا كان الفنان أو النحات ينحت صخره أو يرسم لوحته وينتهي، فإن بائع الزيتون في الأسواق المغربية يمارس فنه كل صباح، ثم يهدمه كل مساء، ويعيد نحته في الصباح الموالي. وليس كل بائعي الزيتون في المغرب من رفاق بيكاسو وسلفادور دالي. لكن الكثيرين منهم تعلموا فن «نحت الزيتون» بالفطرة، وأبدعوا فيه إلى حد مذهل. فالزيتون ليس مادة غذائية عادية. إنها مادة غذائية من ذهب. وعصيرها يتحول في كثير من الأحيان إلى مادة نادرة ويتناقش الناس في فوائدها كما لو كانوا يتحدثون عن مادة سحرية جاءت من كوكب آخر. ينحت البائع الفنان أهرامات من زيتون هنا وهناك، ويزينها بالفلفل الأحمر وأوراق النعناع وأهرامات من الليمون الأصفر الذي تمزج رائحته برائحة الزيتون فيمنح لعشاق هذه الحبات الغذائية العجيبة إحساسا رائعا بالمتعة في الفم.. وبهجة في العين. الفنانون يمكن أن يستفيدوا أيضا من معاني الألوان من بائعي الزيتون. ومعاني وضع الزيتون الأحمر الذي يطبخ مع لحم الدجاج، قرب الزيتون الأحمر الذي يطبخ مع اللحم، ومعنى وضع قطع الجزر الصغيرة المائل لونها بين الصفرة والحمرة قرب الزيتون المفروم، وبينهما صحن الفلفل الأحمر القاني، وبين هذا وذاك قطع الجزر وأوراق النعناع الشاذية برائحة معطرة. الزيتون في المغرب مادة متميزة على موائد الأكل. وطاجين اللحم من دون زيتون مجرد شبح بلا معنى، والمغاربة لا يتقبلون أبدا تلك الولائم الخالية من الزيتون. كما أن المغاربة الولوعين بجلسات الشاي المسائية الحميمية لا يستغنون عن تلك الصحون الصغيرة من الزيتون المتنوع الأشكال والمذاق.