منتديات مدينة الاحلام - كل ذكرى لو تجي متأخره قل لها اسف ترى فات اللي فات

«لا تبك على أي علاقة في الحياة، لأن الشخص الذي يستحق دموعك لن يدعك تبكي».
هذه العبارة تبدو موجهة للمحب الذي يهجره الحبيب فيختنق في ظلمة التعاسة لا حول له سوى الغرق في سيل دموعه، وهي عبارة قد تحمل بعضا من العزاء للمحزونين الذين يشعرون بالتعاسة إثر خيبة ألم أو أذى أصابهم من أحد يحبونه. لكنها تبدو لي مغرقة في الخيال، فهي تتخاطب مع المشاعر بلغة العقل وتتوقع منها أن تستجيب، ولكن، منذ متى كانت المشاعر تفهم لغة العقول!
العلاقة بين المحبين ليست علاقة طبقية، رئيس ومرؤوس، ولا حتى علاقة ندية، تحكمها موازين العدل في التعامل، هي علاقة مقادة بالمشاعر، والمشاعر لا ترى سوى القلب، ولا تسمع سوى نبضة، وحين يسكب القلب الدمع على حبيب هاجر، هو لا يسأل إن كان يستحق منه تلك الدموع أو لا يستحق، هو ينزف دمعة لأنه يتألم، هو يبكي للألم، ولا يبكي لاستعطاف الحبيب، أو لثنيه عن الهجر. والخطاب العقلي لا يمحو الشعور بالألم، فالألم النفسي كالألم العضوي، لا يزول بالأوامر والتوجيهات، فالمشاعر وحدها هي التي تحمل الدواء، وهي التي بيدها شفاء القلب أو ادماؤه.
وللقراء الذين يتابعون ما يكتب في أفياء، هل تذكرون ما قاله ابن حزم عن صنوف الهجر؟ حيث نسب الهجر إلى أسباب خمسة هي: (الحذر من الرقيب، واختبار قوة الحب عند الحبيب، والملل، والذنب، والقلى). لو طبقنا ما جاء في العبارة السابقة على كلام ابن حزم عن صنوف الهجر، لوجدناها عبارة فاشلة في معالجة تلك المصيبة، مصيبة الهجر، فهي تعمق الانفصال بدلا من أن تخفف من حدته، وهي تغذي انفعالات المحاسبة، وتحرض على المعاملة بالمثل، بدلا من أن تحث على التفاهم، أو تدفع إلى معالجة المشكلات التي سببت القطيعة وأورثت الهجر بين المتحابين، خاصة في الصنفين الأخيرين (الذنب والقلى).
والحديث هنا يسوقنا إلى تعميم هذه القضية على علاقات أخرى أوسع وأكبر، كالعلاقة بين الزوجين أو الوالدين وأولادهما، أو الأخوة أو الأصدقاء أو الجيران، فحين يحدث الهجر من طرف لأي سبب كان، لا يجب أن يكون الرد هو المبادرة إلى مقابلة الهجر بمثله، ونسيان الفضل بين الطرفين، ففي القلب متسع للتسامح والمغفرة ورؤية الجوانب الطيبة الأخرى، كما أن هناك عالما رحبا للتفاهم والتوفيق بين الرؤى المتنافرة عند ظهور الاختلاف والتنازع.
قطع العلاقة بمن نحب قد يرضي غرورنا، قد ينفس عن غضبنا، قد يشبع روح الانتقام في داخلنا، لكنه قطعا لا يسعدنا. فليس من السعادة في شيء هجر من نحب، أيا كان نوع العلاقة التي تربطنا به.
كفاكم الله شر الهجر، وقر أعينكم بوصال لا قطيعة بعده.
واخيرا : كل ذكرى لو تجي متاخره :
قل لها اسف ترى فات اللي فات.